فيروز في إذاعة القرآن الكريم

وضعني حظّي العاثر في طريق العودة إلى البيت على موجة « إذاعة القرآن الكريم » لباعثها وصاحب الامتياز فيها النائب المجمّد وصاحب باتيندة حزب الرحمة سعيد الجزيري المعروف في أوساط الظرفاء بـ: مولى النعجات

وقع سمعي على اتّصال من مواطنة كريمة غارقة في مشاعر الذنب تشكو إلى الشيخ الرئيس النائب المفتي باعث القناة المذيع الواحد الأحد الساهر على الخطّ التحريري كيف أنّ مدير المدرسة الابتدائية التي تدرس فيها ابنتها يمرّر في الإذاعة الداخليّة للمدرسة مع بداية اليوم وفي أوقات الراحة أغاني فيروز عوض أنْ يبثّ آيات بيّنات من الذكر الحكيم أو أناشيد دينيّة

شكت المستمعة الكريمة أمرها لـ »الشيخ »، و »الشيخ » لا يعرف في الله لومة لائم، وهو الموكّل حصريا على إذاعة تنطق بلسانه تعالى، إذاعة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها بدليل أنّ اسمها « إذاعة القرآن الكريم »!
حسم الأمر بقوله إنّ فيروز عندما تغني « القدس لنا، والبيت لنا » تصرّح بأحقّية النصارى وأهل الكتاب ببيت المقدس، وأنّ القدس لهم لا للمسلمين، وهذا من عظائم الأمور

طبعا، لم ينس « الشيخ » الفهّامة العلاّمة أن يدعو وزارة التربية إلى الانتباه إلى هذه الممارسات المنافية للدين الحنيف

إذاعة « القرآن الكريم » لا تعترف بقانون الدولة فترفض الانضباط لمقتضيات المراسيم المنظّمة للقطاع السمعي البصريّ، وتتمرّد على قرارات الهايكا. فيكون رئيس حزب سياسيّ نائبا وصاحب قناة إذاعية، ويكون اسم القناة « القرآن الكريم » في خلط واضح بين كتاب حُكمه القداسة، ومنبر إعلاميّ شغلُه السّياسة. إذاعة تستثمر في الجهل المقدّس بتوظيف المشاعر الدينيّة لنشر المغالطات وإكساب الجهل المعرفيّ غلافا دينيّا مقدّسا. ثمّ تجد غضَّ الطّرْف من الدولة، بل وتجد الرعاية والعناية. وتجد من يصدّق رواياتها. ويمشي الجافل، ويأتي الغافل. وهلمّ جرّا ورفعا ونصبًا 

غنّت فيروز لفلسطين والقدس قصيدة كتبها ولحّنها الأخوان الرحباني « زهرة المدائن »، وغنّت لسعيد عقل قصيدة عن حجيج مكّة « غنّيت مكّة »، لحّنها الرحابنة أيضا. وهؤلاء جميعا – يا سعيد الجدّ- مسيحيّون 

على فِعل الدّودة في الثَّمَرة يكون الاهتمام لا على خصومات الطبابليّة التي نشهدها كلّ يوم. وعلى هذه الرسائل الإعلامية والتعليمية التي لا تعيش إلاّ في مناخ الفتن والعفن والإحن نعوّل في المواجهة والتفنيد، لا على ادّعاء العداوة مع الإسلام السياسيّ، ولو أنت نزعت عنهم الغطاء لوجدت الفريقيْن سواء

بالأمس، حاربوا الإرهاب في الجبل، وهادنوه في السهل. واليوم، نزعم معاداة
الإسلام السياسي في الهتافات والشعارات، ونتعايش معه في منظومة التشريعات والممارسات

مختار الخلفاوي