غريب أمر الذين يتّهمون هيئة الدّفاع عن الرّاحلين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي بأنّها تُتاجر بدمهما
كلام يقولُه حتّى بعض المحسوبين على الاعتدال في مواقفهم
تجارة ماذا؟ التّجارة في أبسطِ مفاهيمها هي نشاطٌ لكسب المال أو على الأقلّ مصلحة شخصيّة. فماذا ترى أعضاء الهيئة يتاجرون من أجله؟
الأعمدة الأصليّة في الهيئة (خمسة منهم على الأقلّ)، والذي أعرفُهم معرفة جيّدة، هم مُحامون قضّوا قرابة العشر سنوات من أعمارهم في البحث والتنقيب وتقاطع المعطيات في عشرات الآلاف من أوراق الملفّات (وأكرّر عشرات الألاف)، على حساب وقتهم وعملهم وعائلاتهم. (أتحدّث عن الأعمدة الأساسيّة لأنّ المجموعة كبيرة نسبيّا، وليس لها الالتزام نفسه)
أقسمُ أنّني أعرفُ منهم من لم يكن له أحيانا ثمن تاكسي، فيضطرّ للسيّر على رجليه كلمترات طويلة، لأنّه ترك مكتب مُحاماتِه ولم يعد يشتغل على القضايا إذ خصّص كامل وقته للبحث عن الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة
فعن أيّة تجارة نتحدّث؟
لا أعرفُ أيّ واحد من تلك الأعمدة الأساسيّة نشطا في حزب سياسيّ حتّى نقول إنّه يسعى لكسب الشعبيّة لحزبه
ولا أعرفُ أنّ أيّا منهم كسب شهرة لدى النّاس للحصول على توكيل بالقضايا لجني المال من وراءها
بل أعرف منهم من يصرف من جيبه الخاصّ على السّفر، وطباعة الملفّات أو البحث عمّن يُساعد على ذلك
ديدنهم الوصول إلى الحقيقة، حقيقة: من أمر بالاغتيالين؟
هناك من يريدُ الانتقاص من نضالهم (وألحّ على كلمة نضال)، لأنّ أغلبهم يساريّون… لقد تعلّموا النضال في مدرسة اليسار (ولستُ منها). واليسارُ يساراتٌ عدة في تونس منها السّياسيّ المتحزّب، ومنها الفكري المستقلّ. لذا لم يكلّوا ولم يملّوا رغم التلاعب بالملفّات، وإخفاءها ومنعها عليهم، وصدّهم، وتهديدهم، ورفض الإحالة، ألخ… وهو ما منعهم من التقدّم في الأبحاث، ومع ذلك ظلّوا مُثابرين
أ نُجازي مثل هؤلاء النّاس الذين يسعون إلى تطبيق العدالة وفرض دولة القانون باتّهامهم بأنّهم تجّار دم؟
الدّعوشة عقليّة
عيب، واللّه عيب
ماهر عبدالرحمان