ما قاله العفاس في حق المرأة هو إهانة لتونس كدولة و للتونسيين كشعب. خطاب العفاس ليس جديدا ولا حصريا عليه. هو خطاب كل المجاميع الاسلامية سمت نفسها « نهضة » او « جماعة اسلامية » او « انصار الشريعة » او »داعش » او « حزب العدالة و التنمية » ،فقط النائب عن صفاقس كانت له « الشجاعة » على البوح علنا بما يعتقده المتأسلمون الآخرون و ما يربّون عليه اتباعهم ، فقط موازين القوى المجتمعية حاليا لا تسمح لهم بالإفصاح عن ذلك و عملا بمنطق « التقيّة » و « فقه الواقع » كما يسميه راشد الغنوشي ، هم يتبنون خطابا أقل حدة و منافقا حتى يخدعوا معارضيهم و حتى يتمكنوا من عقول المجتمع ويسيطروا على السلطة كاملة ليكشفوا عمّا يضمرونه و يدبرونه للمجتمع.هم دولة داعش وأبو بكر البغدادي لو انتصروا
رؤيتهم للمرأة تعود الى القرون الوسطى و حتى ان غلفوها بعبارات « إكرام المرأة » و أحاديث وسور كثيرة وهي تعود الى عهد كانت الانثى تعدّ فيه من الأنعام وتُورث وتباع وتشترى و تُجمع حريما في بيت بعل واحد و يطلقها زوجها كما أحب و يزوجها أبوها لمن يريد و تعتبر ناقصة عقلا ودينا و شهادتها لا يعتد بها الا مثنى و لا حق لها في حكم الرجال لأنه حسب حديث يعتمدونه » لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة » والمرأة هي « من حبائل الشيطان » لذاك يمنع لقاء رجل بامرأة على انفراد لأن الامام أحمد ابن حنبل قال عن النبي محمد : « لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما » …وغيرها من القيم و الرؤى المبنية على التوهم و الخرافة التي تحطّ من قيمة المرأة ولا تسويها بالرجل ولا تعتبرها حتى انسانا كاملا
من هنا جاء ذاك الخطاب المتخلف و القبيح الذي توجه به العفاس للمرأة التونسية المتحررة واصفا اياها بالفسق و الفساد و التبرج و ضاربا لمكتسباتها التي تحققت ثمرة نضال نخب فكرية و سياسية آمنت بان لا تقدم و لا تحرر و لا كرامة لتونس وللتونسيين إلا بإقرار حق المرأة التونسية و مساواتها بالرجل واعتماد الحقوق التي اقرت لها بها المواثيق الدولية والشعوب الراقية
العفاس ليس لوحده الذي ضد مجلة الاحوال الشخصية إذ كل المتزمتين هم ضدها ومنذ بواكير ما نادى به الطاهر الحداد منذ 90 سنة ، فالعفاس و امثاله و شيخ النهضة و شيخ شيخ النهضة ( القرضاوي و قبله البنا و سيد قطب) هم متخلفون و معقدون من مكتسبات الانسانية في التحرر ولا برنامج إصلاح عندهم الا سجن المرأة و منعها من الحياة العامة بتحريم الاختلاط و الشغل مع الذكور و العودة لتعدد الزوجات و حرمان الزوجة من طلب الطلاق وإلغاء التبني و تجريم الاجهاض وهاهم يضيقون و منذ اختطافهم للسلطة في 2011 على النساء التونسيات حقهن في الاجهاض و حتى « التصبير » اي موانع الحمل انطلاقا من رأيهم « ان كل دابة على الارض ورزقها على الله » ويريدون تكرار المآسي التي تعاني منها الدول الاسلامية الآن من انفجار ديمغرافي و مشاكل لا تحصى و ربما سيباهون الأمم « غدا » بتلك الجحافل من العراة و الجياع
في كلمة هم متخلفون و هم في عصر ليس عصرهم و اينما حلّوا حلّ الخراب…لذلك ما اثاره العفاس لا يهم المرأة فقط و لا نخبة متغرّبة كما يدعون و لا « المنبتين من هويتهم » و كأنّ الهوية تعني الجمود و التحجّر و الفناء في الماضي و السير على ما سار عليه بشر ولدوا و عاشوا في عصور تخطتها الانسانية بجهدها في التحرر العقلي و التنوير و كسب الانتصار على العقائد الجامدة و على القيم البالية القاتلة لحرية الانسان و كرامته
الوقوف ضد هذا الخطاب و ضد حامليه مسؤولية النخب و كل الوطنيين الصادقين
الأستاذ عميره عليّه الصغيّر