تتعالى أصوات أشباه المثقفين والسياسيين دفاعا عن الديموقراطيّة المهدّدة حسب قولهم هذه الأيّام في تونس، بعضهم جُبل على الخيانة و باع ذمّته منذ زمان. بلغ بأحدهم الأمر إلى تحريض الأمريكان على تونس لحرمانها من التلاقيح . هؤلاء لا يؤمنون بالديموقراطيّة إلّا بقدر ما تحقّق لهم مصلحتهم يستعملونها كلمة حقّ أُريد بها باطل للبقاء في الحكم ولو على جثث أبناء شعبهم . البعض الآخر متعلّم و نيته طيبة ولكنّه ساذج كالحمار يحمل أسفارا دون أن يعي ما فيها يعيش في برجه العاجي أصمّ لا ينصت إلى نبضات قلوب الناس من حوله يلوك علكة الديمقراطيّة دون أن يكلّف نفسه بأن يدقق النظر في مفهومها ومضامينها وتاريخها. وهنا يتساوي الجميع ، يمينا ويسارا ، حكّاما ومعارضيهم.، كلّ من انخرط فيما يُسمّي عبثا ب »الانتقال الديموقراطي » يتحمّل المسؤولية وإنْ بدرجات متفاوتة فيما حدث لنا من خراب
عن أيّ ديمقراطيّة تتحدّثون ؟ عن الديمقراطيّة التي تساوي بين العالم والجاهل، بين خرّيجي الجامعات وخرّيجي السجون من المجرمين والمنحرفين ، بين تجاّر الدين والزاهدين في الدنيا من الصالحين . عن أيّ ديمقراطيّة تتحدثون ؟ عن ديموقراطيّة مثل سفينة نوح تحمل إلينا الغثّ والسمين ، الصالح والطالح ، بل الطلحاء أكثر من الصلحاء ، ديموقراطيّة جلبت إلى سدّة الحكم و إلى البرلمان سقط المتاع من الجهلة و الطمّاعين والانتهازيين وعديمي المروءة وحوّلتنا إلى دولة فاشلة وتهاوت بنا إلى الحضيض نتسوّل على أعتاب الأمم و نستجدي المساعدات وبلدنا يزخر بالثروات والخيرات
ما وقع هذه الأيّام كان لا بدّ أن يقع وهي فرصة إلى أن نفكّر في نظام سياسي جديد لا نستنسخ فيه الديموقراطيّة الغربيّة بصفة آلية حتّى لا نُلدغ من جحرنا مرّتين .ديموقراطية تأخذ بعين الاعتبار أنّ الحرية و إن كان لا بدّ من الدفاع عنها اليوم قبل الغد فلا نتركها رهينة شخص واحد مهما كانت نزاهته وصدقه وغيرته على وطنه لا بدّ لها من أرضية ثقافيّة و فكرية متينة تُبنى عليها وأن نهيئ لها المناخ والتربة الصالحة لتترعرع وتنمو وتزهر. الديموقراطية والجوع لا يلتقيان. الجوع كافر. يكفر بكلّ شيء وأوّلها « ديموقراطيّة النُخب » التائهة المائعة التي بلغة الجاحظ : تحصّل ولكنّها لا تُنظّر ولا تفكّر
الأستاذ محمد جويلي