عندما يرتطم مشروع الحكم بالواقع ! المعطّلون ينتفضون ضد «هجر» القانون 38

«فجأة ودون سابق إنذار، يكشف رئيس الجمهورية قيس سعيد لوزير التشغيل والتكوين المهني ومن خلاله للعموم مساء الجمعة 19 نوفمبر 2021 أن القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بالانتداب الاستثنائي لمن طالت بطالتهم وُضع في تلك الفترة كـ”أداة للحكم ولاحتواء الغضب وبيع الأحلام وليس للتنفيذ”، واستدل في ذلك بعدم صدور أي أمر ترتيبي لتطبيقه بما في ذلك خلال الفترة التي تولى فيها السلطة الاستثنائية “المطلقة” في 25 جويلية المنقضي، وأكّد سيادته بطبيعة الحال على أنه لا بدّ من انتدابات حقيقية تُمكّن الشباب من خلق الثروة في إطار قانوني مختلف عن الأوهام الكاذبة

وكما هو معلوم فقد سبق للرئيس ان أيد الشباب ذات يوم لصياغة مثل هذا القانون من أجل فرض حقهم في الشغل وتحقيق ما يريدون

ولا يكمن عنصر المفاجأة الذي أشرنا إليه آنفا في التوقيت ولا في شكل إعلان الموقف وإنما في دلالاته العميقة والدروس التي يجب استخلاصها قبل فوات الأوان وحتى لا يُجر شباب البلاد إلى طاحونة العبث والفناء

لقد سبق لرئيس الجمهورية أن ختم القانون بتاريخ 16 أوت 2020 ونشره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويُنسب لرئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن موقف داعم لتفعيله فما الذي تغيّر؟

هنا، نعود الى وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي الذي كشف أول أمس أن : رئيس الجمهورية قيس سعيّد صارح المعطلين المشمولين بالقانون عدد 38 الذين استقبلهم اليوم الجمعة بقصر قرطاج وأكد لهم أن الوظيفة العمومية لا يمكنها استيعاب المزيد من الموظفين

ليس ذلك فحسب تضيف يسرى ناجي وهي واحدة ممن التقاهم الرئيس، أن من بين أسباب التراجع عن تفعيل القانون 38 عدم توفر الاعتمادات المالية وعجز الوظيفة العمومية عن استيعاب مزيد من مواقع العمل نتيجة كثافة عدد الانتدابات التي فاقت احتياجاتها خلال السنوات الأخيرة، وهنا ايضا يتساءل المرء عن سبب تزكية قانون المالية الأساسي والتكميلي للسنوات 2019 و2020 وحتى 2021 والمصادقة على قانون يتضمن تعهدات صريحة من الدولة بالانتداب؟

إن مصارحة الشباب بالحقيقة المرة كما يقال أمر محمود، لكننا اليوم إزاء حقيقة مركّبة ومعقّدة تتشابك فيها المسؤوليات والمواقف وبالتالي الاستتباعات والنتائج العاجلة والآجلة، والمصارحة تكون منذ البدء في تقديم برنامج الحكم وعدم مجاراة الواقع والهروب إلى الأمام واعتماد مقولة : أمطري حيث شئت فخراجك لي

والمؤسف اليوم محاولة ذرّ الرماد على العيون وتبرير ما لا يبرر من قبيل الحديث عن نص مهجور، النصوص المهجورة يمضي على استصدارها زمن بعيد تتأكد خلاله عدم الحاجة لتطبيقها وبالتالي يصبح هذا النص « كادوك » أي تجاوزه الزمن وهنا سؤال إلى « خبراء » و »مختصي » آخر زمن في القانون، هل تجاوز الزمن فعلا القانون عدد 38؟ 

نقول هذا الكلام ونحن نتابع ردة الفعل الشرعية والمشروعة لآلاف من خيرة شباب تونس ممن أنفقت الدولة الوطنية الكثير ليحصلوا على شهائدهم فتحيلهم بعد ذلك على البطالة القسرية وبذلك تكون الخسارة مزدوجة : الدولة لا تسترجع «نفقاتها»ولا تستفيد من أبنائها، وأبناء الدولة الوطنية يجدون أنفسهم مرغمين على أن يلوذوا إلى العصيان والتمرد كما جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للمطالبة بحقوقهم المهدورة

لقد لوّح أصحاب الشهائد العليا المعطلون لمدة 10 سنوات أو أكثر أمس على لسان ممثليهم سواء الذين التقوا رئيس الجمهورية أو في « اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين » بتصعيد تحركاتهم للمطالبة بحقهم في الانتداب بمقتضى القانون عدد 38 وقد نفذ عديدون منهم وقفات احتجاجية خلال اليومين الماضيين في العاصمة وتحديدا في معتمدية دوار هيشر على سبيل المثال، وفي سليانة أين عمدوا الى غلق الطريق الرئيسية أمام مقر الولاية وإشعال العجلات المطاطية، كما اقتحم عدد من الشباب مقر ولاية القصرين وتظاهر آخرون في ولاية قفصة

إن أسوأ ما في إدارة الشأن العام الوقوع في فخ رد الفعل وهو الخطر الداهم على السلطة اليوم، فالنوايا طيبة دون شك والرئيس أعلم المعطلين بأنه باق على العهد وتعهد بأنه سيعمل مع الفريق الحكومي على إيجاد الحلول الكفيلة في إطار توجهات جدية ومشاريع جديدة تجعل منهم قوة اقتراح وقوة لخلق الثروة لهم ولجهاتهم وهذه الوعود علاوة على كونها وعود كلامية جميلة ليست مرتبطة بالزمن والزمن قاس للغاية وقسوته لا يدركها غير من طالت بطالتهم ونفد أو كاد صبرهم

إن ما أتاه الرئيس قيس سعيد هو في النهاية انحناء لاكراهات الواقع، اكراهات الحكم وهو أمر طبيعي خصوصا في ظل الأزمات لكن ما هوليس طبيعيا، المكابرة ومواصلة التجريب والترويج لأحلام قد تكون جميلة لكن عدم تحقيقها في التوقيت المناسب يحوّلها الى كوابيس ويكفي تونس ما عرفته من كوابيس قبل وبعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة

 

بقلم: مراد علالة