بعد إقدام سامي السيفي على إحراق نفسه داخل مقر حركة النهضة في مونبليزير أصدر الغنوشي بيانا جاء فيه أن ما حدث ليس إلا نتيجة: « لجريمة دولة الاستبداد التي انتهكت حقوق بعض مواطنيها قبل الثورة وأقرت لهم حقوقا ضمن مسار العدالة الانتقالية لم تلتزم بتطبيقها. علاوة على ما يلقاه مناضلو النهضة من تبخيس لنضالاتهم ووصم بتلقي تعويضات وهميّة وتشويه وما تتعرض له حركتهم من شيطنة واستهداف لا يتوقف » وهو ما يعني أن حركته براء من دم المرحوم محمّلا بذلك الدولة قبل 2011 وبعدها المسؤولية كاملة، وهو أمر تعودنا صدوره عنه لأنه بارع في قلب الحقائق وتزوير المعاني وتدليس المفاهيم ولي على ما ذكر جملة من الملحوظات
1) الدولة قبل 2011 لا تتحمّل أي مسؤولية فالرجل ارتكب جرما حوكم بسببه وقضى مدّته المحكوم بها وخرج بعد ذلك إلى ممارسة حياته العادية وفق ما ذكرت زوجته وأخته في تصريحاتهما الصحفية
2) بعد 2011 وبعد أن أمسك الغنوشي بمفاصل الدولة ابتدأ في التعويض لجماعته وهو ما دفع بالوزير حسين الديماسي إلى الاستقالة احتجاجا لأن في ذلك تدميرا للمالية وللاقتصاد الوطني فجاؤوا بإلياس الفخفاخ الذي مكنهم من الحصول على تعويضات أدت إلى ما عليه الدولة من إفلاس والتعويض في هذه الحالة اتخذ أشكالا متعددة منها أوّلا الحصول على أموال مباشرة من خزينة الدولة وراجت قائمات تناولت بالذكر أسماء بعض السياسيين ومنها ثانيا تسوية المسار المهني بحيث اعتبروا الفترة التي قضاها النهضوي في السجن كأنه في حالة شغل لنجد عاملا وقد أصبح بين ليلة وضحاها مهندسا رئيسا وهو ما أدى إلى إفلاس الصناديق الاجتماعية ومنها ثالثا استحداث صندوق كرامة وهيئة سهام بن سدرين لتمكين ما تبقى من منتسبي الحركة من تعويضات مجزية عن الجرائم التي ارتكبوها، جملة هذا المخطط وجد معارضة من قبل حتى المواطنين العاديين وهو ما أدى بحكومة الشاهد إلى التحايل على المواطنين وذلك بالاقتطاع من المرتبات والأجور بتعلة مساعدة الصناديق الاجتماعية ولكنها حولت هذا الاقتطاع لصالح مجرمي العفو التشريعي العام حسبما نص على ذلك الأمر الحكومي الصادر في الرائد الرسمي عدد6 بتاريخ 18 جانفي 2019
3) القول بأن إحراق سامي نفسه في مقر الحركة يعود إلى تبخيس ما سماه نضالاتهم ليس كذلك لأن « خدمة الوطن فريضة ولا جزاء على فريضة » كما قال مواطننا التونسي المصري عبد العزيز جاويش، فطلب التعويض والإصرار عليه ووعد المنتسبين بالحصول عليه والتهديد إن لم تستجب الحكومة لذلك كما صنع الهاروني جعل من هذه الحركة ومن منتسبيها لا يختلفون في شيء عن المرتزقة والحس الشعبي لدينا يميز مليا بين الوطني الصادق والمرتزق لذلك انتشرت مقولة : كيلو نضال بقداه
والذي يجب أن ننتبه إليه أن هذا الذي جاء على لسان الغنوشي ليس جديدا أو مستحدثا بل هو سياسة ممنهجة لم يتخلف عنها أبدا من ذلك مثلا
1) أمضى الغنوشي على وثيقة أمام الجميع تعهد فيها بأن المجلس التأسيسي لن تتجاوز مدته السنة ولكنه غدر بالجميع وبقي 3 سنوات كاملة ولم يخرج إلا بعد لأي وبعد أن ضمن بقاءه في الحكم فيما سمي التوافق وعلل ذلك بقوله إن الإمضاء أخلاقي وليس قانونيا
2) في احتفاله بالذكرى 15 لتأسيس حركة النهضة نشرت له جريدة الجرأة تقريرا مطوّلا تناول فيه تاريخه ولما وصل إلى جريمة باب سويقة اعترف
– بأن الذين ارتكبوا الجريمة هم من « الشبان الإسلاميين » أي الذين ينتمون لتنظيمه
– بالتخلي عن خطته التي سمَّاها « الفرض والافتكاك » والتي تعني تسريح القطيع وتركه يتصرف كيفما شاء حتى يفرض على الدولة رغباته وتذكرون ما حدث أيامها من هجوم على مقرات الأمن والشعب والرش بماء الفرق والتظاهر في أوقات الذروة إلى أن وصلنا إلى جريمة باب سويقة
هذا الاعتراف الصريح الوارد في الجرأة يقع التراجع عنه تماما ففي سنة 2012 نشر هذا الحزب بياناته في كتيب ولكن الغريب في الأمر أنه لما أعاد نشر بيان الذكرى 15 للتأسيس
– حذف الاعتراف بأن شبانا إسلاميين هم الذين ارتكبوا الجريمة.
– غير خطة « الفرض والافتكاك » لتصبح : فرض الحريات
بحيث تغير المعنى تماما بين النشرتين وما يدل على التصرف الفج في النص تباعد الفقرات عن بعضها وظهور الفراغات في الصفحة مما يدل على أن القيادة راجعته وأزالت منه ما ذكرنا أعلاه لتظهر الفراغات واكتفت بتغيير تلك الصفحة فقط بدل أن توزع الفراغات على باقي الصفحات حتى لا يظهر التغيير، هكذا هم حتى في التزوير والتدليس لا يحسنون الفبركة بحيث لا نتعجب مما ذكر الغنوشي عن السيفي طالما أن حزبه لا يتورع عن تزوير بياناته وهي منشورة بين الناس وفي استنقاص لذكاء التونسيين لأنهم في تقديرهم لا يقرؤون وإن قرؤوا فإنهم ينسون
3) بعد جريمة باب سويقة التي ارتكبها منتسبو حركة النهضة بتخطيط من قيادته تنفيذا لما سُمِّي سياسة « تحرير المبادرة » عبّرت مختلف القوى السياسية عن تنديدها بهذه العملية الإرهابية التي لم تعرف تونس لها شبيها، ولمّا أحست الحركة أن الطوق أُحكم حولها من طرف المجتمع المدني أرسلت مذكرات شخصية إلى زعماء الأحزاب السياسية أيامها تهدّدهم فيها بأن الموقف ممّا سمته فرض الحريات سيكون المحدّد في تصنيف هذه الحركات وزعمائها سلبا أو إيجابا ولم يتجاسر أي واحد ممّن وجهت إليهم هذه الرسالة على نشرها واكتفوا جميعهم بالصمت وقد أمضاها الحبيب اللوز بتاريخ 11 ماي 1991
تلك هي حركة النهضة منذ أن نشأت لا يردعها رادع أخلاقي أو قانوني عن إيهام وتضليل خصومها حتى تتمكن منهم لأنهم أعداء الله وفق ما تتصور
بقلم أنس الشابي