عطّار الحيْ

صحّة شريبتكم

عطّار الحيْ، « يا صحابي غلّب عليْ »، كهل يكاد من شدّة انحرافه يمشي معوجّا، مكّنته الثورة من حانوت بيع موادّ غذائيّة، فأراد أن يغرف أكثر، حاول التخصّص في القرآن، ما قدر إلاّ على سورة « الكوثر » حفظا وتفسيرا. وما فوّت في رمضان شيئا يستثمره، حتّى لسانه يكاد يدلدله أمام الشارين تجاهرا بالصيام
مساء اليوم، اِضطررت إلى قضاء شأن عاجل منه، وأنا أهمّ بالدخول توقّفتُ عند عتبة حانوته التي تبيع الوارد والشارد وما هبّ ودبّ، أنظر ونحن على أبواب العيد أقمصة نسويّة أفغانيّة تغطّي المدخل، سمعت صوتا هاتفا يصلني في تدلّل وتغنّج
– عندك « سميد أحرش » ؟ شاهية نعمل شربة صدر
– مرحبا يا للاّ، الصدر يحب الصدر، عرفتك، أنت جارتنا الجديدة
كدت ألتحف بالأقمصة الأفغانيّة تقيّة ومتابعة للسيناريو، أسترق النظر إلى صاحبي الصوتين، ساعدني على ذلك انحراف في ممرّ المدخل، شاهدت رأسه العطّار يكاد يسقط في صدر الحسناء التي أراها وتراني وقد راقها فضولي، بهْتة سارع إثرها صاحبنا بسحب كيس صغير ينفض عنه الغبار، لامس يدها بوضع الكيس في الكفّ وفتح بيده الأخرى أزرار قميصه العليا يكشف صدره، قالت وشيء في عينيها
– سوم السميد؟
– معقول هذا! قلت لك الصدر يحب الصدر
– يعيشك، أنت صدايري !؟
– أنا صدايري ولسايني
– اِحشم يا جاري، تخرّج في لسانك في رمضان
– ربّي غفور رحيم، شرّفنا باسمك؟
– اسمي كوثر
– !كوثر
عقد لسانه، وسارع بالتخلّص من ارتباكه
– اسمع يا للاّ، صدر الياقوت لازمه قميص أفغاني، هديّة منّي، نخاف عليه من البرد
– أفغاني، هبلت! ؟
تركتْه على حرقته يكاد يسبّ الأفغان جميعهم، ما إن خرجتْ حتّى ظهرتُ له كشيطان الحكّة، كان على « الكنتوار » قارورة مكتوب عليها « عسل حر » وصحن بقايا « زلابيا »مهترئة، بجوارها دجاجة عربي مقيّدة ساقاها بخيط، ورأسها يلامس شاشيّة تونسيّة مطرّزة بالعلم التونسي، لا ينقطع منقارها عن تنتيف النجمة والهلال أثر الجوع
سلّمتُ، ردّ في برود، قلت
– بالله باكو شربة : لسان عصفور
يكاد وقد قطعتُ عليه متعة استرجاع السيناريو يستعوذ، سمعته وهو يتّجه إلى أحد الرفوف يتمتم « من صدر الياقوت للسان العصفور »، وضع الكيس أمامي وتظاهر بالانشغال بتنظيم سلعه المختلفة، قلت في استفزاز
– بالله على ذكر شربة لسان عصفور، العصفور يخرّج لسانه؟
تأفّف يكاد يصرفني، قلت في برودة أعصاب
– على فكرة، البارح اطّلعت، وأنت مختصّ في سورة الكوثر، على التحرير والتنوير للشيخ ابن عاشور، نفسّر لك السورة؟
قطع عنّي الحديث في توتّر
– يا خوي الشيخ ربّي يرحمه
– قل لي للمعرفة فقط، الفرق بين الكوثر في الدنيا والآخرة ؟
قاطعني يطلب فلوسه، دفعتُ، وثقبتُ كيس شربة لسان العصفور، نثرتُ منه ما تيسّر قدّام الدجاجة حتّى تترك العلم التونسي في حاله، قاقت الدجاجة تشكر « خليل » وتترحّم عليه

توفيق العلوي