سقوط ورقة التوت عن قانون 38

واجه الرّئيس قيس سعيّد العاطلين عن العمل التونسيّين بحقيقة قانون 38 المؤرخ في13 أوت 2020. وصرح بأن هذا القانون وضع لاحتواء الغضب ولممارسة الحكم وليس لتطبيقه فعليا، فقد نص القانون على ضرورة التفعيل عبر أوامر حكومية في حين أن الحكومات المتعاقبة لم تضع تلك الأوامر ولا يمكن أن ترتب تطبيقا حقيقيا لتلك القوانين. وقد كشف أن الذين وضعوا تلك القوانين كان هدفهم « إيهام » الشباب بخلق حلول لهم وأنهم كانوا يعرفون جيدا أن تلك الأطر القانونية لا يمكن تحقيقها. من جهة الموقف الرئاسي يمكن القول أنه خطاب يحترم الناس ويقطع مع تزييف الواقع ولكن من ناحية رمزية الدولة التونسية في تعاطيها مع الملف الحارق للبطالة فقد تبين مرة أخرى أن علاقة الدولة بالمواطنين تقوم على الخداع والتلاعب. فالذين وضعوا مثل هذا القانون كانوا جزء من الحكم والسلطة وكان هدفهم البقاء في الحكم والسلطة . لقد صاغت حركة الشعب القانون وتمت الموافقة عليه بالإجماع ب159 نعم و16 محتفظ وتم نشره بالرائد الرسمي19 اوت 2020 بعد إمضاء الرئيس قيس سعيد عليه

إذن فإن كل الذين صادقوا وأمضوا على القانون يتحملون مسؤولية في قطع الوعود للمعنيين ولكن حال الذين صدقوا تلك الوعود الزائفة كحال من كذب كذبة على نفسه ثم صدقها. فالعاطلون الذين طالت بطالتهم فوق العقد من الزمان والذين راهنوا على تصديق وعود النواب وانتظروا من الدولة أن تنتدبهم رغم ما رأوه من أزمة اجتماعية واقتصادية وجمود تنموي واستفحال الكوفيد وعرقلته الحياة الاقتصادية والظرف السياسي الذي كان مدة السنتين الاخيرتين وتعطيله الحياة كل هذه الظروف التي تعاقبت والديون التي على الدولة التونسية تسديدها والإصلاحات التي فرضت على المالية التونسية بعدم الانتداب ولا الزيادة في الأجور، إن هذه المعطيات تؤكد أن الوظيفة العمومية عاجزة عن انتداب العاطلين في الظرف الحالي رغم نقص الموارد البشرية في قطاعات عديدة كقطاع مهن الصحة والتعليم والإدارة والطفولة والأمن

لقد طالبت الاحتجاجات التي انفجرت في 2011 بالتشغيل ورفعت شعار « التشغيل استحقاق يا عصابة السراق » غير أن عشر سنوات بعد ذلك لا يزال الوضع يزداد سوء فتتعمق الهوة بين العاطلين والعمل المنشود. لقد تبين عجز الدولة عن تحقيق وعود الحكومات التي تعاقبت في هذه السنوات العشر ووعدت جميعها باحتواء البطالة وايجاد حلول للعاطلين، ولذلك العجز أسباب موضوعية تتعلق من جهة بالظروف السياسية وعدم الاستقرار الذي جعل الاستثمار صعبا في البلاد ومن جهة ثانية بظرف الوباء الذي أزم الوضع ومن ناحية أخرى يتعلق الأمر أيضا بطبيعة المطالب التي يحملها العاطلون الذين يريدون وظيفة على أساس ما يحملون من شهائد يمكن القول أنها هي أيضا لا تخول عملا حقيقيا ولا تعبر إلا عن شكل آخر من أشكال احتيال الدولة على شعبها. فتلك الشهائد لا تطابق تكوينا حقيقيا مناسبا من جهة ولا تقييما حقيقيا ولا تعبر بأمانة عن مؤهلات حامليها. ليس هذا استنقاصا من شأن حملة الشهائد ولكنه تشكيك في سياسة التعليم الجامعي الذي جعل الشهائد الجامعية بلا جدوى ولا معنى ولا تطابقها معارف ومهارات حقيقية

إنّ هذا الوضع المتأزم في علاقة الدولة بالمواطنين وبسياساتها التعليمية والتكوينية والتشغيلية يتطلب وعيا بعمق الأزمة الحالية وتخطيها البعد السياسي إلى عمق اجتماعي بل وعمق انتروبولوجي بمعنى أن الأزمة الحاليّة تحيلنا إلى طبيعة علاقة المواطن بالدولة وأكثر من ذلك علاقة المواطن بالسلطة عموما وهي علاقة عدائية. السلطة أبوية تخصيه وتتلاعب به وتستثمر « حمقه » و »جهله » كما في المقامة البغدادية تماما حيث قاد الطمع صاحبه إلى الخسارة وهو يستعديها ويبادلها العنف والتلاعب والزيف والتضليل. فهل يمكن أن يمثل خطاب المصارحة بالواقع والمواجهة بالحقائق المؤلمة لعجز الدولة عن توظيف المزيد عبر الانتداب والتشغيل عبر آليات اجتماعية جوفاء من وضع حد لهذه العلاقة المبنية على الخديعة والمكر والتي لا تحترم فيها الدولة وعودها لانها لا تحترم منظوريها كما أن المحتجين لا يجدون حلولا لواقعهم لانهم يعولون نفسيا وآليا على ضرورة أن تجد لهم هذه السلطة الأبوية المسؤولة عنهم و الغاشمة في نفس الوقت الحلّ

لقد آن الأوان لمواجهة المجتمع نفسه بحقيقته ممثلة في ما أنتج من علاقات: مواجهة الدولة بطبيعتها الزائفة وسياساتها المزدوجة المضللة للوعي، ومواجهة الناس لقابليتهم للتلاعب والتوظيف والتزييف. فإذا كان هؤلاء العاطلون حملة شهائد عليا تناسب معارف عليا حقيقية فسيكون أول سماتهم عدم تصديق الخطابات المضللة وعدم المراهنة على تلاعب السياسيين الذين لا يرون فيهم سوى أصوات انتخابية. أما عن الحلول لهذا الوضع فلن يكون سوى بيد المجتمع برمته أن يجدها وتتمثل في تحمل المسؤولية الأخلاقية في التفاوت الاجتماعي وهشاشة الفئات العاطلة والمفقرة. إن بيد المجتمع برمته إيجاد حلول للبطالة وهو قادر على إبداع حلول. فالمجتمع التونسي إمكانياته أقوى وأثرى من دولته

بقلم زينب التوجاني