سقطات حركة النهضة السبع

خرج الشعب يوم 25 جويلية الماضي غاضبا من منظومة قديمة حكمت البلاد طوال العشر سنوات الماضية وعلى رأسها حركة النهضة الإخوانية التي استهدف المتظاهرون مقراتها بالتحطيم والتكسير، يومها التقط رئيس الجمهورية الرسالة وكان جوابه سريعا فأصدر أمرا بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وعزل رئيس الحكومة، وهو ما أربك الحركة وعجّل بسقطاتها المتتابعة كما يلي

السقطة الأولى

ما أن أُعلن عن قرارات 25 جويلية حتى لاحظنا موقفين الأوّل منهما موقف الفرح الذي عبّرت عنه جماهير شعبنا بالخروج إلى الشوارع ليلا بالزغرتة والرقص والغناء والثاني ظهر من خلال اتجاه الغنوشي إلى مبنى البرلمان صحبة نائبته وبعض منتسبي حركتهلاحتلاله والبقاء داخله باعتباره مقر السلطة التشريعية لتصبح لدينا شرعيتان واحدة في قرطاج وأخرى في باردو وهو ماقد يمثل ورقة مساومة للضغط على الرئيس، غير أن شيئا من هذا لم يحصل لأن الغنوشي وجد الأبواب مغلقة ومُنع من الدخول عندها طالب منتسبي حركته بالالتحاق به لمحاصرة البرلمان واستنساخ ما حدث في ميدان رابعة في مصر، فقضى الليل بأكمله في سيارته منتظرا النجدة ولكنه وجد نفسه وحيدا والرائع أن الجماهير المساندة لقرارات الرئيس حاصرته ودفعته إلى الانسحاب جارّا وراءه أذيال الخيبة، تلك السقطة الأولى التي سيحفظها له التاريخ ملخصة في صورته أمام أبواب البرلمان المغلقة وهو يترجى السماح له بالدخول وقد أبدع أحد جنودنا في الرد على من قال بأنه أقسم على حماية الدستور بأنهم أي الجنود أقسموا على حماية الوطن، وشتان بين حماية ورقة ليست إلا دليلا لتنظيم السير في الطريق وبين حماية الطريق ذاته

السقطة الثانية

أجرى الغنوشي تغييرا في المكتب التنفيذي للحركة حيث قلّص عدد أعضائه من 40 عضوا إلى 19 فقط ومن الجدير بالملاحظة أنه نحّى صهره رفيق بوشلاكة من التركيبة الجديدة وهو الذي لم يتوقف منذ مدّة عن شتم الرئيس ووصفه بأقذع النعوت، وكأني براشد يُوجّه بذلك رسالة إلى رئيس الجمهورية ترطيبا للأجواء، غير أن هذه المحاولة باءت بالفشل إذ أسقط مجلس الشورى يوم 24 سبتمبر التركيبة الجديدة

السقطة الثالثة

بعد أن فشل الغنوشي في محاولاته لفتح قناة اتصال مع الرئيس رغم تغييره تركيبة المكتب التنفيذي التجأ إلى الوسائط علّها تكون مفيدة فكوّن لجنة لإدارة الأزمة جمع فيها من لم يصدر عنهم أي تصريح أو موقف مناوئ للرئيس وكلف محمد القوماني برئاستها وهو أمر تعجبت له لأنه من غير عادة الغنوشي الاطمئنان إلى من أبدى معارضة سابقة له، وتذكروا ما صنع بعبد الفتاح مورو رغم أسبقيته في التأسيس، وقد تبين لي فيما بعد أن رئاسة القوماني ليست إلا حيلة من الغنوشي لإيجاد خيط تواصل مع الرئيس عن طريق شقيقه نوفل سعيد الذي يشارك في الحياة السياسية مدافعا عن خيارات أخيه علما وأن نوفل تربطه علاقات قديمة بمحمد القوماني لأنهما كانا منتسبين لِما يُسمى اليسار الإسلامي وكانا من بين أعضاء هيئة تحرير مجلة 15/21 ومن الكتاب الدائمين بها،هذه العلاقات مع المجموعة لم تنقطع وبقيت متواصلة من خلال عضويتهما المشتركة في رابطة تونس للتعدد والثقافة وفي أنشطتها التي يلعب فيها احميدةالنيفر دورا محوريا فهي الصورة المستحدثةوالمحيّنة لليسار الإسلامي، غير أن محاولة الاندساس في ثنايا القرار السياسي الرئاسي عبر الشقيق فشلت ولم تنجح ممّا أدّى بالقوماني إلى الاستقالة من اللجنة، وهو ما صاغته الحركة في بيان برّرت فيه الاستقالة بأن الأبواب مغلقة وهكذا توصد أبواب قصر قرطاج مرّة أخرى في وجه الغنوشي

السقطة الرابعة

كشفت تقارير دائرة المحاسبات والوثائق المنشورة عن عقودلوبيينغ في الولايات المتحدة الأمريكية عقدتها الحركة مع شركات أمريكية فاقت المبالغ المدفوعة في بعضها المليون دينار فضلا عن دعوة أحد أعوانها هناك لأعضاء من الكونغرس بالتدخل في شأن داخلي تونسي، كل ما ذكر يكشف أنها لا تجد مانعا في الاستقواء بالأجنبي إذا تعارضت مصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي تنتمي إليه مع مصلحة الوطن واستعدادها للتفريط في استقلال القرار الوطني إن كان ذلك في صالح مشغليهم من الأجانب وهو ما تأكد لدى التونسيين جميعا ولم يعد قابلا للنقاش أو التكذيب وقد قدّمت في ذلك منظمة أنا يقظ قضايا مفصّلة وموثقة

السقطة الخامسة

الاستقالات المتواترة فرديا وجماعياوإن كنت لا أصدق أصحابها لأننا تعودنا منهم هذا النوع من الاستقالات الوهمية إلا أنها تؤشر على سقوط قريب للحركة التي عرفناها طوال النصف قرن الماضي فالاستقالات قبل 2011 في عمومها كانت تحدث في فترة السرية وذلك للتوقي من غضب السلطة والنأي بالنفس عن المتابعة القانونية أما هذه المرة فهي تتم في وضع مغاير فالحركة قانونية وفي وضع كانت هي فيه في السلطة لذا وجب التعامل بحذر مع هذا النوع من الاستقالات لأنها قد تكون تحويلا للوجهة إلى موقع آخر ليس فيه الوجوه المستهلكة التي اهترأت ولم تعد صالحة للاستعمال ويروج أن حزبا أعد لهذا الغرض به بعض المستقيلين والقوميين وشتات من اتجاهات أخرى ومما يثبت هذا الذي نرى أن الغنوشي في معالجته لملف المستقيلين سقط سقطتين

1) الأولى لما لم يرُدَّ الفعل على بيان 25 جويلية الممضى من قبل ما يفوق 100 عضو وقيادي واكتفى بالقول بأنهم « تسرعوا وكان من الممكن النظر في الحلول الوسطى في أفق المؤتمر القادم » وهو ما يعني أنه يعتبر أن هذه الاستقالات لا تمثل خطورة على الحركة ويمكن استثمارها في المعارك السياسية القادمة لصالح حركته لأن أصحابها لم يتجاوزوا الخطوط الحمر ذلك أنهم أرجعوا أسباب ما حدث إلى: « انفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلهاخاصة في السنوات الأخيرة » وهم بذلك لم يُحمّلوا مرشد الحركة المسؤولية وبرّؤوه متهمين ففي ذات الوقت الموالين له، لهذا السبب بالذات ترك الغنوشي الباب مفتوحا في وجوههم بالعودة في أي وقت إن تحسنت الأوضاع أو الاندساس في تنظيمات أخرى لأن الثقة فيهم لم تنقطع

2) والثانية لما قرر الغنوشي تجميد عماد الحمامي وإحالته على مجلس التأديب لأنه في تقديره تجاوز الخطوط الحمر ونقض بيعته له بادعائه أن: « الغنوشي انتهى وحكم على نفسه بالخروج من الباب الصغير » والذي نخلص إليه أن ما سمي استقالات يجب أن نتعامل معها بقدر كبير من الحذر لأن النحل الدينية لا تعرف معنى الاستقالة وتأملوا كيف عالج الغنوشي الملفين واحد ضمن المحافظة على البيعة والثاني بعد نقضها

السقطة السادسة

في حديث للغنوشي لجريدة الكوريري دي لا سيرا الإيطالية بعد إجراءات 25 جويلية هدّد بأن: »هنالك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع ويمكن أن يتصاعد التهديد الإرهابي وعندها تسود حالة عدم الاستقرار إذا لم تعد الديمقراطية إلى تونس » ويقصد عودته إلى رئاسة البرلمان، هذا التهديد لقي رفضا واسعا وشجبا عريضا من طرف أغلبية المواطنين الأمر الذي جعل الحركة تصدر بلاغا إعلاميا يوم 30 جويلية جاء فيه: « إن تصريح الأستاذ راشد هو تبيين للنتائج المحتملة للانقلاب على الديمقراطية في تونس وتأثير ذلك على الاستقرار في بلادنا وعلى المنطقة » وهي في ذلك تفسر الماء بالماء أو كما يقال موسى الحاج هو الحاج موسى، وهذه سقطة أخرى تؤكد أن الحركة لا تحسن الإنصات إلى الشعب الذي تدعي الانتساب إليه والدفاع عنه والحال أنها لا تعترف إلا بمصلحة الجماعة ولو على حساب الوطن

السقطة السابعة

يوم 20 أكتوبر نشر الغنوشي بيانا على صفحته باسم مكتب المجلس أعاد فيه ما درج على ترويجه واللافت للنظر أنه ارتكب بذلك سقطة أخرى تقدح في مصداقيته لأن المكتب مجمّد تماما وأعضاؤه تختلف أسباب غيابهم عنه فمنهم من هو متهم بالتآمر على أمن الدولة ومنهم من فضل الاختفاء تماما بعد 25 جويلية حتى تمر العاصفة ومنهم من هو معترض على رئاسة الغنوشي للمجلس ومنهم من يمسك العصا من الوسط حتى لا يغضب الرئاسة فيصرح بالشيء ونقيضه

لم يحصل أن سقط الغنوشي طوال حياته السياسية هذه السقطات المميتة في ظرف وجيز وقديما قال الشاعر

ومن يحتفر بئرا ليوقع غيره  ***  سيوقع يوما في الذي هو حافر