رشيدة و هشام

فقدتْ بلادي بالأمس عزيزين ممّن أعرف من النّاس الأخيار. و لكنّ البلاد فقدت كذلك بالأمس من الأموات من لا أعرف من النّاس. و لئن اختلف التونسيون في هويّة من توفّاه الله بالأمس فإنّهم على اختلاف مواقعهم الجغرافيّة و الجندريّة و المهنيّة الخ عالمون بوفاة هشام رستم الممثّل التونسيّ الوسيم القدير الطيّب و مشاهدون و متابعون في المحطّات التلفزيّة و الإذاعيّة التونسيّة تسجيلات من تصريحاته و أعماله ترغمهم على الاعتراف للمرحوم هشام رستم بكفاءته المهنيّة و الأخلاقيّة العاليّة و تسرّب في نفوسهم معاني الإحساس بثقل الخسارة الوطنيّة و التأثّر العميق لفقدان الابن البارّ بالوطن

و لكنّ البلاد فقدت بالأمس امرأة لا تقلّ، في عيني، قيمة و أهميّة في خدمة الوطن العزيز. إنّها السيّدة رشيدة الممّي بو وزرة. و قلائل هم التونسيون الذين عرفت فيهم ما عرفت في هذه السيّدة الفاضلة من الجدّ في العمل و الانضباط في أداء الواجب و التفاني في خدمة المصلحة العامّة الوطنيّة في مختلف الوظائف العلميّة و الجامعيّة و التربويّة التّي تولّت التعهّد بها و الإشراف عليها. و لكنّي لم أر الإعلام في بلادي يخسر من وقته لحظة و يهدر من حبره قطرة ليودّع هذه التونسيّة المتفانيّة

و أنا أتوقّع من القارئ أن يحتجّ عليّ معاتبا بأنّه هو كذلك يعرف رشيدة أخرى في مقاس رشيدة بو وزرة و يعرف رشيدا آخر في مقاس هشام رستم. و يبقى السؤال المركزي المطلوب البحث عن جواب عادل له : كيف التعامل مع الأحياء منّا و كيف التعامل مع الأموات منّا ؟ هل إشهار الوفاة حكر على الوجوه و الأصوات الإعلاميّة ؟ و هل مهن الميديا هي اليوم أفضل المهن الوطنيّة ؟ و كيف السبيل إلى تقدير الكفاءة الوطنيّة في الحياة و عند المماة ؟ عاشْ يتمنّى في عنبة ماتْ ما علقُولُو شيْ  » و لو التفتنا إلى عاداتنا الشعبيّة لقلت لكم إنّ « البرّاح » بالأمس قد نعى رشيدة بووزرة و غيرها من المفارقين للدّار الفانية في مسقط رأسها بقصر هلال مثلما يفعل كلّ « برّاح » في الكثير من قرانا و الكثير من مدننا. فإنّ فضّلتم بعضنا على بعض في مراتب الحياة فحاولوا أن تسوّوا بيننا في لحظات الموت مثلما سوّى التراب بيننا في دفننا يا رحمكم اللّه

الدكتور الهادي جطلاوي