رسالة إلى الغنوشي : لَوْ يذكُرُ الزيتونُ غارِسَه لصَارَ الزّيتُ دَمْعًا

منذ مدة في مناسبة عائلية تخصني…جلس والدي رحمه الله إلى جانب الشيخ راشد الغنوشي…فسأله الشيخ سؤالا روتينيا عن الأحوال وعن حال الفلاحة
فكان جواب والدي مشوقا وعفويا وخاليا من السياسة : الحمد لله لاباس يا شيخ نحن الفلاحون مدينون لشخص عظيم نترحم عليه إلى اليوم وإلى الأبد

وتساءل الشيخ راشد متشوقا  » من تقصد يا حاج !؟ « …فرد عليه الوالد بفخر  » إنه الزعيم بورقيبة يا شيخ  » !…قال الوالد ذلك وهو يجهل شعور الشيخ نحو بورقيبة وموقفه منه وتاريخه معه…فقد كان جوابا تلقائيا صادقا…ويبدو أن الشيخ راشد تحمس للذهاب بالأسئلة بعيدا وزاد فضوله…وهو يسمع فلاحا بسيطا يكن لبورقيبة كل ذلك الوفاء…فسأل والدي قائلا بحماس واستغراب : وماذا فعل لك بورقيبة حتى تحبه وتعتبره صاحب فضل إلى هذه الدرجة !؟

وهنا وضع والدي الله يرحمو كل مشاعره وتجربته وعمره في إجابته قائلا  » والله يا شيخ سأذكر لك من مآثر وأفضال الزعيم أهم شيئين ثمينين بالنسبة لي وقد بنيتُ عليهما وبهما حياتي ومستقبل أولادي…أولهما المدرسة بجانب بيتي وبفضلها أنا معك أحدثك بصفتي والد سمير الذي درّسته فيها…ففي حربه على الجهل والأمية كانت المدارس ثكنات لمحاربة الظلام…وثانيهما شجرة الزيتون التي شجعنا بورقيبة على غراستها في كل شبر ومتر…أعطانا المشاتل مجانا ودعمتنا الدولة لنغرسها في حملة وطنية كبيرة حولت تونس الى سانية زيتون بحجم دولة…وقد وجدناها تنقذنا في عز الجفاف…وترحمنا في قسوة الفقر…وتثمر لنا خيرا كبرت ودرست به أبنائي وأولهم سمير…بورقيبة يا شيخ مكنني من مقابلتك ومناقشتك اليوم…بورقيبة هو زيتونة ومدرسة
تنهد الشيخ ولم يضف كلمة أخرى للحوار عدى بعض المجاملات

وقال لي والدي رحمه الله بعد ذلك بأيام : سامحني يا وليدي كدت أفسد المناسبة دون أن أقصد لأنني لم أكن أعرف أن بين الشيخ راشد والزعيم بورقيبة عداوة
لكن ردي كان واضحا  » لا تعتذر يا أبي فقد كانت كلماتك البسيطة والعفوية عن بورقيبة هي من أجمل وأرقى وأصدق ما قيل عنه…لقد اختصرته واختصرت كل ما قيل وكتب عنه في كلمتين مذهلتين بسيطتين…واختصرت محبة البسطاء من الشعب الكريم له…فهو زيتونة ومدرسة فعلا

تذكرت ذلك وأنا أتابع أزمة الزيتون وزيته المضيء…الذي كان له فضل كبير على فقراء بلادي وتاريخ بلادي…ولولاه لما سميناها الخضراء…لكن دولة اليوم تتخاذل في حمايته وفي إنقاذ صابته والاستجابة لاستغاثة الفلاحين المغدورين
الزيتون الذي له فضل علي في سنوات الشقاء والعناء…و كان والدي رحمه الله يقدسه…ويغرسه بشغف ويعتبر زيته أغلى من دمه…وترك لنا منه حقولا سقاها بعرقه ووهبها عمره…ولو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا

سميرالوافي