راشد الغنوشي يوقّع «بيانا شخصيا» من عزلته باسم الحركة الإخوانية
الشيخ يتصابى
لم يفهم راشد الغنوشي ان ما دُبّر ليل 25 جويلية 2021 قد ضرب الحركة الاخوانية في مقتل وأسقطها سقطة ما يزال دويّها حديث الناس والمنابر… لم يفهم ولم يتعب من العناد والمكابرة رغم وعيه العميق بان حركته لن تنهض من سقطتها وإن نهضت فعلى هوان وبلا حضور وبلا تمثيلية ولا مصداقية وقد انفرط عقدها وتشرّدت قياداتها وتفرقوا بحثا عن نجاتهم الشخصية بعدما ارتموا من قارب الشيخ المصرّ على توقيع البيانات الفارغة من كل محتوى صادق وحقيقي… بيانات تنهى عن «المنكر وتدينه» وهو – في الأصل – من صنعها ومتاع من متاعها الذي رسّخته زمن حكمها غير المأسوف على سقوطه
أول أمس أصدر راشد الغنوشي بيانا ذيّله بتوقيعه بصفته رئيسا للحركة الاخوانية يمكن ان نسميه «بيان التوقيت الضائع» أو بيان «السفاهة الكبرى» بما أنه يستمر في خداع التونسيين بدل الاعتذار عمّا ارتكبته جماعته في حقهم من تنكيل بالبلاد وبأهلها على امتداد عشر سنوات من : حكمهم
كان على الغنوشي أن يعتذر للتونسيين وأن يدعو جماعته الى مراجعات عميقة «لأدبهم الفاسد» الذي حوّل الدولة التونسية الى «دولة فاشلة» ومتسوّلة تمدّ الايادي حتى لا يجوع أهلها
لقد نكّلت «الجماعة الاخوانية» بتونس على امتداد عقد من الخيبات ومنذ «طلوع البدر» في مطار تونس قرطاج محمولا على «اكتاف القطيع» في ذاك النهار الأغبر الذي كان مقدمة وتدشينا لكل الخراب الذي جاء بعد ذلك وامتدّ على عشر سنوات من الغدر والخديعة والنهب والافساد
لقد كان «عقد اللصوص» بأتمّ معنى الكلمة لم يتركوا فيه مالا إلاّ ونهبوه وضرعا أو زرعا إلاّ وأكلوه… لقد كانوا «لصوصا» حقيقيين «بأدب» اجرامي فاسد
لكن «الشيخ»كما يبدو في «بيانه الشخصي» الذي أصدره أول أمس مستمرا في تعاليه على التونسيين، مكابرا ومصرا على مغالطة جماعته بإيهامهم ان الحركة لم تنته بعد وأنها تقف اليوم على «رأس المعارضة»… والواقع أن الغنوشي إنما يتوهّم لعب «دور المعارض» بعدما تم طرده وجماعته من الحكم… فالحركة التي خذلت التونسيين وهي في السلطة لا نعتقد أنه يمكن تصديقها في عزمها لعب دور الحزب المعارض
لقد دخلت الحركة الى تونس على ظهر الخديعة واستحوذت على السلطة «باسم الله» وهي تخرج الآن مطرودة على ظهر الحقيقة باسم الشعب الذي عاف وجودها وكره شيخها الذي كان «كاللعنة» التي ضربت خصبا فأفسدته
والمتأمل في بيان «الشيخ» يدرك أن «سفاهة الاخوان» لا تضاهى وهو في البيان يدين ما أجرته الحركة الاخوانية على الأراضي التونسية على امتداد سنوات من الإذلال للتونسيين
يقول «الشيخ» (متصابيا في بيانه) أو هو يدين :«الاجراءت الرامية الى تكريس الحكم الفردي المطلق بعد الغاء الدستور والبرلمان ومساعي تطويع القضاء بالتوازي مع الاصرار على نشر خطابات تقسيم التونسيين وتحرّض بعضهم على بعض وتقوّض الأسس التي جمعت التونسيين وعلى رأسها ثقافة المواطنة والوحدة الوطنية»… وهنا لا بدّ من الردّ على الشيخ في كذبه وبالتالي تذكيره بجرائم حركته الاخوانية التي تفنّنت وأبدعت في تقسيم التونسيين خلال سنوات حكمها بل هي التي نشرت وصنعت ثقافة الحقد والكراهية بين التونسيين وسط مناخ من التوجّس والريبة وقد تم تقسيم البلاد الى ديارين… ديار كفر وديار ايمان ولعلّ الشيخ يذكر كيف حرّض الصحبي عتيق التونسيين على التونسيين وكيف دعا جماعته في خطابه أمام المسرح البلدي بالعاصمة الى مطاردة خصوم الحركة اعداء الله من الحداثيين والعلمانيين وضربهم على وجوههم بالنعال
هل نذكّر الشيخ بمقتل الشهيد لطفي نقض بعد سحله من طرف أبناء الحركة بعدما تم التحريض عليه كونه «زلم من أزلام بن علي»…؟ ألم يتم اغتيال شكري بلعيد بعد التحريض عليه في المساجد ومن على منابر الجمعة بل إن وزير الداخلية الاخواني علي العريض لم يتردّد من على منبر تلفزيوني في الادعاء بالباطل على شكري بلعيد وقصفه بكلام كان – في الواقع- تحريضا شديد اللهجة ودعوة ضمنية الى اغتياله…؟ هل نذكّر «الشيخ» بخطاب الحقد والكراهية من على منبر المجلس النيابي وعلى ألسنة العتاة من اخوان تونس؟ ألم يكن «اللوز» داعية حقد؟ ألم يكن «شورو» من دعاة الفتنة والكراهية…؟ وعليه فإن حديث الشيخ في بيانه عن الفتنة وتقسيم التونسيين هو حديث : شيخ سفيه
متصاب في خطابه
في النقطة الثانية من البيان يقول الشيخ «ننبّه الى خطورة المحاولات الرئاسية المتكررة للضغط على السلطة القضائية ومؤسّساتها وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء ونؤكد أن إصلاح القضاء مسار تنهض به المؤسسات القضائية…» وهنا لا بد من تذكير الشيخ بالحقائق التالية، أوّلها المجزرة التي أحدثها وزير العدل الاخواني نورالدين البحيري – زمن حكمهم – الذي هتك عرض وهيبة القضاء ونكّل به ولم يسبق للجسم القضائي أن أهين وذل كما تم اذلاله في عهد البحيري الذي اشترى ذمم القضاة (المرتزقة منهم ممن باعوا شرف المهنة) وسيطر بذلك على قصور العدالة التي أصبحت تتحرك بتعليمات حصرية تنزل من «سماء البحيري» الذي ضيّع ملفات وحقائق وأخفى ما أخفى من جرائم وعلى رأسها جريمة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي ضيّعتها عدالة البحيري بين المحاكم وفي ارشيفات التلف
في النقطة الثالثة يدين الشيخ الضغوط المسلطة على اصحاب الرأي المخالف وتوظيف بعض الهيئات التعديلية للتضييق على حرية التعبير ومن ذلك غلق بعض المؤسسات الاعلامية بما يحيل عددا كبيرا من الصحفيين على البطالة
وهنا نذكّر الشيخ بأن حركة النهضة قد عمدت زمن حكمها الى الدفع بعديد الصحفيين الى المحاكم (شخصيا كنت واحدا من بين ضحاياهم) كونهم لم ينخرطوا في طابور اعلام الموالاة ولم يتردد الاخواني حمادي الجبالي عندما كان رئيسا للحكومة من تهديد مؤسسة لابراس بإنهاء وجودها وبغلقها ان استمرت في نقد حكم الاخوان اضافة الى تهديدات الناطق باسم حكومة الجبالي الاخواني لطفي زيتون الذي تزعم وأدار اعتصاما مشهودا امام التلفزة الوطنية من أجل الاستحواذ عليها..؟
وقد تمكنت الحركة في عهدها من اشتراء ذمم عدد من الصحفيين وحولتهم الى مرتزقة يتكلمون باسمها في كل المنابر الاعلامية
في النقطة الرابعة يدين الشيخ ما أسماه بالحشد الشعبي والتنسيقيات التي قال بأنها من انصار قيس سعيد وهي تمارس العنف ضد خصوم الرئيس.. وهنا نذكر «الشيخ في عزلته»، بروابط حماية الثورة وهي جماعة اجرامية تمارس العنف والقتل والسحل باسم الحركة الاخوانية وهي بمثابة «الجناح الاجرامي» للحركة… هل نذكّر الشيخ بجرائم الروابط؟ هل نذكره بعماد دغيج و«ريكوبا»…
الشيخ يدرك كل هذا ويدرك أنه مخادع وأن بيانه بيان سفاهة وكذب وأنه كان من الأجدر به و«بمقامه» وهو في هذه العمر الرثة أن يعتذر للتونسيين وأن يطلب منهم «السماح» وأن يعترف بأنه تلك «اللعنة» التي رفعها حراك 25 جويلية 2021 وانقشعت غير مأسوف عليها من الأراضي ومن السماوات التونسية التي ارتاحت قليلا من بعد انقشاع اللعنة الكبرى
يبدو أنّ «الشيخ» لم يدرك أو هو لم يفهم بعد أن حجم الحركة الحالي وممارساتها السابقة عندما كانت في الحكم لا تؤهلانها لإنتاج خطاب معارض للرئيس قيس سعيد «فالنهي» عن المعاصي لا يمكن أن يصدر عمّن سبق أن أجراها ومارسها ونظّر لها وأدار بها شؤون شعب ودولة
لطفي العربي السنوسي
جريدة الصحافة اليوم الصادرة بتاريخ 31أكتوبر2021