ديمقراطية النهضة « الحلال » .. بالمال الحرام

مرة أخرى يطفو الى السطح الجدل حول المال السياسي ويظهر للعيان أن من بين أهم أسباب تعثر أو انتكاسة التجربة الديمقراطية ببلادنا، جنوح أطراف سياسية بعينها الى كل الطرق التي تؤدي الى الحكم بقطع النظر عن الشرعية والمشروعية، لا القانونية فقط، وإنما السياسية والقيمية والأخلاقية باعتبار أن الاضطلاع بأعباء الحكم عبر الصناديق كما يقال يقتضي فيما يقتضيه النزاهة ونظافة اليد والاقتصار على الضمانات القانونية والاستقواء بالإرادة الشعبية فقط بعيدا عن التزييف والشعبوية وتجارة الوهم والدين واستخدام المال « الحرام » المنافي للشرع والقانون بمنطق الدولة المدنية وحتى وفق مرجعيات الاصوليين أنفسهم

في اليومين الأخيرين إذن، تناقلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده أن حركة النهضة الإخوانية وقّعت عقدا جديدا مع شركة لوبيينغ أمريكية للضغط على رئيس الجمهورية قيس سعيّد

وبادر المحامي ياسين عزازة يوم الجمعة 6 أوت 2021 بكتابة التدوينة التالية على صفحته الخاصة بالفايسبوك: حركة النهضة توقع عقدا جديدا مع شركة لوبيينغ أمريكية لدفع المسؤولين الأمريكان لتهديد قيس سعيد والضغط عليه : تاريخ النشر 3 اوت 2021… هذا العقد منشور على موقع وزارة العدل الأمريكية (الملزمة بنشر كل تعامل مع حزب سياسي غير أمريكي للعموم حسب القوانين الأمريكية) ينص على أن الشركة ستقوم بالتوسط عند الساسة الأمريكان وستوفر دعما على مواقع التواصل!…اقرأوا أسماء مديري هذه الشركة لتفهمو مع من تتعامل حركة النهضة! ينضاف هذا إلى عقود أخرى ، أهمها العقد الذي وقعته الحركة مع نفس الشركة بقيمة اكثر من مليار تونسي (اشارت إليها دائرة المحاسبات في تونس) يستعملون المال الأجنبي (هذه المرة من لندن) ويدفعون 30 ألف دولار أمريكي لسيناتور أمريكي من أجل أن يضغط على الرئيس الأمريكي ليقطع التلاقيح عن التونسيين!! ( نفس سياق تدوينات المصمودي ) الآن نفهم قول الشيخ التكتاك زعيم الحركة : إما نحن أو الفوضى و العنف

هذا وقد تحرّك المرفق القضائي بسرعة –وهو أمر إيجابي – وأكد نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس والناطق الرسمي باسمها محسن الدالي لوسائل الإعلام الوطنية أنّ النيابة العمومية لديها بالفعل علم بما تم تداوله على موقع تابع للولايات المتحدة الأمريكية حول وثيقة عقد » لوبيينغ » لحركة النهضة وأن النيابة العمومية شرعت في التحري والتقصي من مدى صحة وحقيقة تلك الوثيقة في انتظار اتخاذ ما يلزم من قرارات مناسبة استنادا إلى نتاىج أعمال التحري والتقصي

وسارعت النهضة الى توضيح موقفها في بلاغ إعلامي أمس قالت فيه كل شيء سوى نفي ورفض ما أتته « جهة ما » باسمها ولصالحها في أمريكا شكلا ومضمونا واكتفت بالتأكيد أنها « تخضع لإجراءات القانون التونسي وحساباتها وعقودها يتم مراقبتها من قبل محكمة المحاسبات »، وأنها « لم توقع لا عن طريق ممثلها القانوني ولا عن طريق أي من مؤسساتها أو قياداتها أي عقد مع أي مؤسسة في الخارج »، وأنها « لم تقم بأي تحويلات مالية الى الخارج ولم تتلقى أي تحويلات أو تمويلات مالية من الخارج » وهي في المقابل تتحمل فقط « مسؤولية قرارات والتزامات قياداتها ومؤسساتها ولا تتحمل أي مسؤولية أخرى خارج ذلك 

بعبارة أخرى، يقرّ ‘البلاغ » بأنه بالفعل لا علاقة تنظيمية أو مؤسساتية أو مباشرة للنهضة بالجهة الخارجية / شخصا أو مؤسسة، التي دبّرت ونفّذت ووقعّت العقد باسمها ولفائدتها، لكن النهضة لا تجد في نفس الوقت حرجا في غض الطرف عنه والاستفادة من خراجه كما حصل في مرات سابقة وخصوصا بمناسبة الانتخابات التشريعية 2019

لقد كشف تقرير محكمة المحاسبات تفاصيل العقد الذي أبرمته النهضة مع شركة الدعاية والضغط الأمريكية للفترة 2014 – 2018 استعدادا لذاك الاستحقاق، وذكّر بأن الامين العام السابق للحركة زياد العذاري لم ينف في ظهوره الاعلامي وجود العقد ونسبه الى « أنصار » و »مناضلي » النهضة

إن ملف المال السياسي بشكل عام ومال النهضة بشكل خاص هو من أعقد وأوكد الملفات التي يتوجب البت فيها اليوم لتنقية المشهد السياسي وإنقاذ التجربة الديمقراطية عبر تجريم المال « الحرام » ولجم مقترفي هذه الجرائم المالية والسياسية والانتخابية

بقلم مراد علالة