إنّ بعض النقد دفعة على الحساب دون أن يقرأ الكتاب، ولعل هذا ينطبق على الحملة التي شنها بعض ناشطي المواقع الاجتماعية الافتراضية

زينب التوجاني
طيلة الأسبوع الماضي بعد إعلان فاتن الفازع فوز كتابها أسرار عائلية بجائزة أدبية. ولقد دفعنا ما استخدم في هذه الحملة من عنف رمزي إلى التذكير ببعض المبادئ الأخلاقية والقيمية والأدبية النابعة من عمق ثقافتنا نفسها وأدبنا الرفيع الذي يعتبر المتهجمون أن كتابة الفازع خطر عليه. فقد لاحظنا اتكاء الناشطين في الحملة على حجتين: الأولى استخدام العامية بابتذال والثانية استشهادهم بمقاطع من النصّ فيها وصف حسي ومشاهد اعتبروها : إباحية
فأما استعمال العامية واعتبار ذلك خطرا محدقا بالهوية والأدب فليس بحجة لإنكار حقّ كلّ إنسان في استخدام اللغة والوسيلة التي يراها مناسبة ليعبّر عن نفسه أو يبدع أو حتى لمجرد التواصل. فإذا كان المبدأ الأخلاقي يقول : » لا تفاضل بين اللغات » فأولى بنا تطبيقه على دارجتنا التي ينطق بها لساننا أول ما ينطق وهي التي اعتبرها أستاذنا الجليل وعالم اللسانيات التونسي والعربي صلاح الدين الشريف -أمده الله بالصحة وأبقاه مرجعا- في قيمة الفصحى واعتبرها لغة أما. فلا مزيد عليه. وأما الابتذال فالأصل فيه المرجع لا المستعملٌ أي تلك الشحنة الفجّة التي استفزت البعض لم تخلقها فاتن الفازع من العدم بل وجدتها في مواضعات المجتمع التونسي فاستخدمتها فهي إذن إن جاز القول، في أصل العرف الاجتماعي سائرة عند التونسيين شهد علماءنا الكرام أنها من خصائص التونسي وانظروا ماقاله التيمومي في تفسير ذلك وما كتبه بيرم التونسي وهو يصف كثرة استخدام الشعب التونسي منذ أكثر من قرن الكلام السليط والفج والقبيح للتعبير حتى عُدّ من أكثر شعوب الأرض استعمالا له فما ذنب كاتبة إذا استخدمت ما تركه لها الآباء واستخدمه الأبناء في حياتهم اليومية وهي تصف بما تعرفُ ما تشعرُ به لا أكثر ولا أقلّ. ولها الحقّ والحرية التامة في ذلك بالدستور وبالقانون وبالعرف والأخلاق وحق الأديب وحريته وحق الإنسان وكرامته
أما الإباحية فلو افترضنا أنها موجودة في الكتاب -ولا أظن التسليم بذلك آليا لأن الكاتبة لم تقصد التأثير في المتلقي بل التعبير عن الذات- فليست بالجديدة على أهل العربية يستغربون الوصف الحسي فيما كتبته سيدة تونسية وينسون أنهم يشرحون لتلامذتهم عيون الأدب فيها الوصف الحسي ما فيه فهل يشنون عليه حملة وما رايهم في كتابة محمدشكري مثلا وهل اطلعوا على اتجاهات الأدب النسائي الحديث وتمركزه على فضح المسكوت عنه والتعبير عن الظلم الثقافي المسلّط على النساء وهل اطلعوا على ابن حزم وما في قصصه وهل قرؤوا ما كتبه بعض الفقهاء أنفسهم من أدب في هذا المضمار من جلال الدين السيوطي والتيفاشي الى التيجاني والنفزاوي والغزالي والحصري وغيرهم كثير. حتى أن في القرآن الكريم نفسه حديثا عن الحياة الحسيّة للإنسان وفي الحديث النبوي تفصيل وتدقيق بلا مواربة ولا نفاق، فضلا عن مجلدات الفقه مما يثبت انه ليس مجالا لخدش الحياء ولا الإنكار بل عدت السنة الإسلاميّة ذلك من فضائل الرحمان ونعمه التي لا تحصى ولا تعدّ. فمن أين جاء هذا الاحتقار للجسد وللحميمية؟ ولماذا هذا الانفصام والتناقض؟ وبم نفسر هذه الحملة الاخلاقويّة ضدّ مقطع تصف فيه الكاتبة تجاوز الراوية خجلها من جسدها المحروق بفضل لطف الشريك ورفعة أدبه وتواصله الانسانيّ. فتعطف بذلك قلب القارئ على المحبة لا الكراهية وتحمل مضمونا تربويا لا يخفى على القارئ الحقيقي البسيط
إننا نستغرب الكيل بمكيالين وندافع عن حرية كل التونسيات في التعبير وفي الكتابة ونساندهن في بحثهن عن الأسلوب المناسب ليتحققن ويكشفن عوالمهن ويحاربن انفصام ثقافة المعايير المزدوجة التي تقيم لهن محاكم التفتيش عوض شكرهنّ وتشجيعهن ليتحررن من ربقة الحريم وقيوده المرئية واللامرئية. وإن دفاعنا هذا مبدئي يندرج ضمن النضال من أجل الحريات الفردية والمساواة الحقيقية لا الشكلية بين المواطنين والمواطنات
بقلم زينب التوجاني