دائرة «المساندين» لرئيس الجمهورية تزداد ضيقا… «المضيّ قدما».. ككُرة الثلج

في ترجمة وفية لعبارة «المضي قدما في إنشاء الجمهورية الجديدة» كأمر واقع، صدر في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية المرسوم عدد 32 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للاستفتاء والأمر الرئاسي عدد 506 المتعلق بدعوة الناخبين إلى هذا الاستفتاء على مشروع دستور جديد للجمهورية التونسية يوم الاثنين 25 جويلية 2022

وعبارة «المضي قدما» جاءت في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية عقب لقاء ساكن قرطاج بالعميد الصادق بلعيد

وقد تزامن اللقاء الذي جمع الثلاثاء 24 ماي الجاري الرئيس قيس سعيّد بالعميد الصادق بلعيد الرئيس المنسق لـ«الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة» مع صدور بيان لعمداء وعميدات كليات الحقوق والعلوم السياسية والقانونية بتونس عبّروا فيه عن اعتذارهم عن عضوية اللجنة الاستشارية القانونية ولجنة الحوار الوطني المنصوص عليهما بالمرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19 ماي 2022 والمتعلق بإحداث الهيئة، الأمر الذي أضاف قطرة أخرى قد تعجّل بإفاضة الكأس كما يقال أو تعطيل العملية السياسية التي أطلقها ساكن قرطاج للخروج من الأزمة المركبة التي تضرب البلاد

ولم يقف الأمر عند «انتفاضة» العمداء على ما اعتبروه مسّا «بحياد المؤسّسات الجامعيّة وضرورة النّأي بها عن الشأن السّياسي طبقا لأحكام الفصل 15 من دستور 27 جانفي 2014 وبالقيم والحرّيّات الأكاديميّة المعمول بها والمتّفق عليها حتّى لا ينجروا إلى اتخاذ مواقف من برامج سياسيّة لا تتّصل بمسؤوليّاتهم الأكاديميّة والعلميّة والبحثيّة والتّأطيريّة»، بل امتدت الارتدادات حتى داخل الأطراف المدنية والسياسية «المساندة» والمساندة نقديا للرئيس دون أن ننسى المعارضة بكل أطيافها

واللافت في البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية المنشور بصفحتها الرسمية على موقع «فايسبوك» أنه يتحدث عن لقاء تم فيه التطرق إلى : اللقاءات التي تمّت مع عدد من الجهات لبيان حقيقة الأوضاع في تونس والإرادة الثابتة على المضي قدما في إنشاء جمهورية جديدة

وللأسف فإن «المضي قدما» دون مساندة «العديد من الجهات» التي تمت معها اللقاءات على الأقل وإصدار المراسيم والأوامر دون الاكتراث بآراء الآخرين وحشر العمداء في الزاوية ومواصلة إقصاء الأحزاب، سيكون بمثابة صناعة لكرة ثلج رهيبة لن يستطيع أحد إيقافها في قادم الأيام إذا استمر دفع هذه الكرة إلى الأمام دون تروّ ودون أخذ بعين الاعتبار لـ«نصائح» ومواقف المساندين والمساندين النقديين على الأقل

أمس الأول، أعطى الاتحاد العام التونسي للشغل فرصة ثانية لرئيس الجمهورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تجديد موقف الهيئة الإدارية الأخيرة للمنظمة الشغيلة التي تركت الباب مفتوحا وظلت في حالة انعقاد للتعبير عن رفض «الحوار الوطني في شكله المعلن» أي أن تطوير الشكل وما قد يتبعه من تطوير للمضمون سيجعل قيادة المنظمة تراجع موقفها وتعطي جرعة أوكسيجين لمشروع الرئيس

لقد كشفت قيادة الاتحاد في ندوة صحفية مجمل التحفظات التي تراها المنظمة وتتقاطع فيها مع طيف مدني وسياسي كبير فالدعوة للحوار لا تكون بقرار أو بمرسوم والاتحاد لن يقبل بأن تمرّ العشرية الأخيرة بلا محاسبة على حد قول الناطق الرسمي

بعبارة أخرى، ما يزال الموقف من «25 جويلية» ثابتا واعتباره «حركة تصحيحية» ما يزال قائما بيد أن ما فعله ساكن قرطاج بنفسه وبـ«25 جويلية» وسّع دائرة الخصوم وعزّز مواقفهم فيما هو بصدد مزيد إهدار الوقت وتضييق دائرة الأنصار

وحتى المنظمات التي زكّت المرسوم عدد30 وقبلت بـ«الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة» وباستثناء الاتحاد الوطني للمرأة التونسية المرحب بحفاوة بالمشاركة، لا خبر اليوم عن موقف الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري بعد خلط الأوراق داخله واستعادة «الرئيس» للرئاسة فيما ظهر التململ في أوساط المحامين والحقوقيين فثمة عريضة للمحامين تدعو إلى «الكف عن توريط المحاماة في مشروع الرئيس» وعريضة أخرى لرؤساء وأعضاء سابقين بالرابطة يعبّرون فيها عن استيائهم من موقف هيئتها من الحوار الوطني ويساندون اتحاد الشغل

وفي الأحزاب تلقت «كرة الثلج» دفعة قوية لم تصدر عن خصوم الرئيس فقط سواء من كانوا في منظومات الحكم المتعاقبة أي النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وكذلك التيار الديمقراطي والتكتل وآفاق تونس، والمعارضة الأخرى ممثلة في الحزب الدستوري والمجموعات اليسارية وعلى رأسها حزب العمال، بل جاءت هذه المرة من أحزاب ملأت الدنيا وشغلت الناس بالدفاع عن «الرئيس» والوحيدة التي حظيت بامتياز لقائه

وعندما تقول القيادية في حركة الشعب ليلى حداد أن المرسوم عدد 30 سقط شكلا فهذا ينذر بالقطيعة وبطلاق الضرر ربما بين الحركة وساكن قرطاج

وليست الحداد وحدها من قفزت من المركب فقبلها جاهر القيادي سالم لبيض بمعارضته الشديدة للكثير من أركان المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد ومن بينها الاستشارة الافتراضية

لقد واصلت بعض «الأطراف» مدّ يد المساعدة للرئيس ولم تغلق الباب بدءا من اتحاد الشغل الذي حذّر من نوايا بعض «الأطراف» السياسية التي تدفع باتجاه تصادم المنظمة الشغيلة مع قرطاج وصولا إلى ما يعرف بائتلاف صمود الذي اقترح مرسوما تكميليا للمرسوم عدد 30 وكأن الحلّ في النصوص فقط وليس في الإرادة السياسية المنفتحة والعقلانية التي تعي وتتحرك لا على قاعدة المناشدات التي لم تنفع يوما من كان في الحكم ولكن على قاعدة المصلحة العليا للوطن الذي يتسع للجميع والذي لن ينجو منه أحد إذا تضخّمت كرة الثلج أكثر من اللزوم

بقلم: مراد علالة