خطاب قيس سعيد في مأدبة الإفطار : أخطاء بالجملة داخليا و خارجيا

ألقى رئيس الجمهورية كلمة في مأدبة الإفطار التي أقامها على شرف سفراء الدول العربية والإسلامية وقد لفت انتباهي تناوله القضية الفلسطينية تصريحا وبعض المسائل الداخلية تلميحا ففيما يخصّ فلسطين أخطأ رئيس الدولة في كلمته 
من جهتين

الأولى منهما تخصّ مضمون خطابه وهو مضمون تعوّدنا سماعه منذ أيام الشقيري ورمي إسرائيل في البحر وغير ذلك من الأدبيّات اللفظيّة التي لا تتعامل مع وقائع تبقى رغم كل شيء عنيدة، هذا الخطاب قد يرضي الغرور ولكنه لا يعبّر عن سياسات محدّدة ولا مواقف بعينها بل هو إلى الأسلوب الإنشائي أقرب، فالقول بأن القدس ستعود يندرج ضمن الأماني لأنّه غير قابل للتحقّق وحال الأمة ودولها على ما هو عليه فحتى الفلسطينيون انصرفوا عنه وتعاملوا مع الواقع بشيء من العقلانية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ننتظر من الرئاسة مواقف عمليّة تترجم عن صدق الدفاع عن فلسطين والقدس وفق ما جاء في كلمة الرئيس كإعادة النظر في العلاقات القائمة مع أهمّ حليفين لإسرائيل في المنطقة وأقصد قطر وتركيا اللّتين تمتلكان علاقات وثيقة تجاريّة وسياسيّة وحتى عسكريّة في إطار علاقات استراتيجيّة مع إسرائيل، ولا يخفى على أحد أن لهاتين الدولتين حضورا سياسيّا وتأثيرا قويّا في منظومة الحكم القائمة لدينا منذ سنة 2011 وهو أمر ملحوظ في الناحية الاقتصاديّة حيث تغرق الأسواق التونسيّة بالسلع التركية فضلا عن الاتفاقيّات التي أبرمت مع هذه الدولة وشركاتها بما يخلّ بحقوق تونس وأمنها الاقتصادي، ومن الناحية السياسيّة الحضور القطري ملحوظ هو الآخر خصوصا في علاقاتنا الخارجية التي بقيت حتى بعد قرارات 25 جويلية على حالها بحيث لم يُفَكّ الارتباط مع الخيارات الاستراتيجيّة للتنظيم الدولي للإخوانجيّة وأبرز مثال على ذلك الإبقاء على علاقاتنا مقطوعة مع سوريا وفاترة مع مصر

والثانية توجّه الرئيس بخطابه الحماسي لسفراء الدول العربية والإسلامية ولكنّه لم يضع في اعتباره أنه يخاطب ممثلي دول لها علاقات استراتيجيّة مع إسرائيل كتركيا وقطر ودول أقامت علاقات سياسيّة جديدة معها بحيث رُفع العلم الإسرائيلي في جلّ الدول العربيّة والإسلاميّة وأصبح للدولة الصهيونية سفراء معتمدون فيها بل وصل بعضها إلى حدود التنسيق العسكري وهو أمر كان على رئيس الدولة أن يضعه في اعتباره حتى لا يصحّ فيه المثل : على من تقرأ زبورك يا داوود

أمّا الشأن الداخلي فقد لمّح الرئيس كعادته إلى هلال العيد الذي سيبلغ تمامه وكأني به يشير إلى قرارات تطبخ لتجسيم مطالب شعبنا في الحرية والعدالة بعد الانفجار الثوري كما تحلو له تسميته، والذي تجب الإشارة إليه أن أهمّ قرارات اتخذها الرئيس في فترته الرئاسية ولاقت تجاوبا شعبيّا منقطع النظير هي قرارات 25 جويلية التي كنا نعتقد أنها ستكون فاتحة لمحاسبة الذي نشروا الفساد ودمّروا مؤسّسات الدولة وأفلسوا خزائنها ولكن الذي حدث هو العكس تماما حيث مكّن التباطؤ والتلكؤ المقصودين من عودة المسؤولين عن العشرية السوداء إلى التحرّك في الساحتين الداخلية والخارجية بعقد الاجتماعات وحشد الأنصار، أمّا الرئاسة التي تمتلك كل الصلاحيّات بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 فقد حصرت اهتمامها في معالجة مسائل ثانويّة وهامشيّة كالشركات الأهليّة وغيرها بدل أن تلتفت إلى مقاومة أسباب الفساد وتحجيم الخصوم الذين يمثّل بقاؤهم وإمكانية تحرّكهم خطرا
بالنظر في السياسة التي اتبعها حكم ما بعد 25 جويلية الماضي يمكن القول بأنها قامت على

1) عدم الفرز المقصود والخلط بين الخصوم الذين يرفضون الأسس التي قام عليها النظام الجمهوري بعد الاستقلال والمنافسين الذين قد نختلف معهم في الجزئيات والتفاصيل ولكننا نلتقي معهم في الدفاع عن الدولة المدنية وسيادة القانون وغيرهما، والذي تؤكده الأيام أن الحكم اختار لنفسه الصفّ الذي ادّعى مقاومته بقراراته التي أجهضها بعد 25 جويلية فلم يفتح أيّ ملف من ملفات فساد حركة النهضة ولم ينشر قائمة الذين حصلوا على التعويضات ومبالغها وتغاضى عن ملف التنظيم السري وغير ذلك وفي نفس الوقت يوفّر الحماية الأمنية لبؤرة القرضاوي ويحاصر الحزب الدستوري الحرّ بشتى الوسائل حتى المبتذلة منها

2) الإغراق في التفاصيل والشكليّات والجزئيّات القانونيّة والحال أن المشكل الذي تعاني منه تونس مشكل سياسي بالدرجة الأولى ويتمثّل في ضرورة التخلّص من تأثير قطر عرّاب الفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوانجية وتوابعه من جمعيات وتنظيمات ولاؤها لمموّلها في الخارج وتحرير الاقتصاد من التبعية لتركيا، وما لم تحلّ هذه المعضلة فإن فشل حكم 25 جويلية على الأبواب وقريبا جدا سيكون للوضع المعيشي القول الفصل في إنهائه

3) قدرة غريبة على الطرد والإبعاد لكلّ من ساندوا قرارات 25 جويلية من كبار المثقفين والمسيّسين الذين لم يتلوّثوا بقاذورات العشريّة السوداء ولكنهم الآن ابتعدوا عن الحكم لمحدودية أفقه الاستشرافي وأخذه الأمور بلين وتباطئ وعدم الحزم فيها بشكل يقارب التواطؤ فضلا عن ضعف خطابه الذي لم يتجاوز لحدّ الآن الشعارات التي لا تستقطب سوى صغار الأحلام والمراهقين وضعاف العقول وانتهازيي الصفوف الخلفيّة بجانب هذا يمتلك الحكم قدرة رهيبة على تجميع خصومه ضدّه من مختلف الأصناف والمهن بدءا بالسياسيّين الفاشلين الذي لم يعرفوا طوال نصف قرن من الحضور في الساحة السياسية سوى الخيبات والفشل إلى من اشتهر بأنه مخبر مكلف بتفجير الأحزاب من داخلها ونقل أخبارها إلى الداخلية إلى من قبض التعويضات ويخشى افتضاح أمره والأمثلة على ذلك تندّ عن الحصر 

قديما قال ابن أبي الضياف: « من علامات سقوط الدول تدمير الأفاضل بتأمير الأراذل » وحديثنا قياس

بقلم أنس الشابي