حول التمويل الأجنبي للحملة الانتخابية التشريعية : اقتراح إسقاط قائمة حركة النهضة برمّتها بدائرة الكاف

في أول تقرير لإصدار حكم ابتدائي حول التمويل الأجنبي للحملة الانتخابية التشريعية 2019
اقتراح إسقاط قائمة حركة النهضة برمّتها بدائرة الكاف

خلص تقرير يحمل عدد 5 بتاريخ 2 ديسمبر 2021 عن الدائرة الابتدائية الجهوية بجندوبة من أجل إصدار حكم ابتدائي حول التمويل الأجنبي للحملة

الانتخابية التشريعية للعام 2019 لقائمة «حزب حركة النهضة» المترشحة بالدائرة الانتخابية «الكاف»، إلى اقتراح إسقاط عضوية كل عضو فاز بمقعد بمجلس نواب الشعب عن هذه القائمة وكذلك إسقاط عضوية كل عضو مترشح عن نفس القائمة عملا بمقتضيات الفصلين 80 و163 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء

بعبارة أخرى، فإن أعضاء القائمة الستة برمتها معنيون بهذا القرار – قرار الإسقاط- الذي سيتأسس عليه الحكم الابتدائي ليس فقط في هذه الدائرة الانتخابية بل الأرجح في بقية الدوائر، ووفقا لأحكام الفصل 61 من القانون الأساسي عدد 41 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أفريل 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات تُمنح قائمة «حزب حركة النهضة» بدائرة الكاف أجلا أقصاه شهران من تاريخ إعلامها لموافاة المحكمة بأجوبتها مدعمة بالإثباتات اللازمة. ليس ذلك فحسب بإمكانها خلال هذا الأجل الاطلاع على ملف القضية وتسلّم نسخة من الوثائق المضمّنة فيه بعد تقديم طلب كتابي في ذلك إلى رئيس الدائرة، وبانقضاء هذا الأجل دائما يمكن لمحكمة المحاسبات أن تعتبر أن القائمة ليس لها ملاحظات تبديها في الغرض

ويأتي هذا التقرير متابعة لمقرر التعيين عدد 14 بتاريخ 1 نوفمبر 2021 الصادر عن رئيس الدائرة الجهوية لمحكمة المحاسبات بجندوبة المتعلق بتكليف القاضي الياس مشلية بمهمّة مقرّر في القضية عدد 55/د.إ.ج.ج/ن.ع1480/05/2021 المتعلقة بالتمويل الأجنبي للحملة الانتخابية التشريعية لقائمة النهضة المترشحة بدائرة الكاف

هي خطوة مهمّة بكل المقاييس تضع حدّا للأقاويل غير الجادة والاتهامات المجانية والقراءات المتنافرة والمزايدات العقيمة أيضا حول تتبّع المخالفات الخطيرة التي رافقت انتخاباتنا بكل أنواعها بلدية وتشريعية ورئاسية، وطبيعي في ظل بعض الثغرات والفراغات القانونية والتقصير المؤسساتي والإرادات السياسية المتصارعة أن يشكّل هذا التقرير والحكم الذي سيُبنى عليه إضافة نوعية للتجربة الديمقراطية في بلادنا ولفقه القضاء في المجال الانتخابي على وجه الخصوص بفضل وجاهة وطرافة وجدّة وجدّية ما جاء فيه من اجتهاد وحرفية ومسؤولية

لقد استند التقرير الذي أعدّه أحد أبرز قضاة الدائرة الابتدائية الجهوية بجندوبة لمحكمة المحاسبات إلى ترسانة من النصوص القانونية والقرارات والتقارير والعقود والمذكرات ذات الصلة كما يقول رجال القانون، سواء منها المتصل مباشرة بالانتخابات أو بمجلة العقود والالتزامات أو بالمحاسبية أو كذلك ردود الحزب المعني بالتتبع وعدد من المؤسسات والهياكل الرسمية، وهي مادة مفصّلة ومدقّقة استوجبت ثلاث صفحات كاملة من التقرير لتعدادها

وبفضل المنهجية الواضحة المتوخّاة في التقرير يمكن للقارئ البسيط أن يدرك من خلال الاطلاع على الجدول الوارد في الصفحة الرابعة أن النهضة دفعت استنادا للوثائق والإثباتات مبلغا ماليا قدره 1،357 مليون دولار أمريكي لفائدة شركة الضغط والدعاية الأجنبية بين 2014 و2019 وأن ما يهم قضية الحال وارد في الخانة 11 ويغطي الفترة من 1 جويلية 2019 الى 31 ديسمبر 2019 وفيه مبلغ 187،215 ألف دولار

وضمن وثائق ملف الإحالة مواد إعلامية تتمثل في مراسلات الكترونية ومقالات تمّ نشرها في بعض وسائل الإعلام والاتصال الأجنبية للتعريف بالنهضة وقد تضمنت المراسلات مثلا مواقف الحركة وأنشطة مجلس نواب الشعب وانجازات الحكومة ومقالات عن رئيس النهضة راشد الغنوشي قصد نشرها ببعض وسائل الإعلام علاوة على تبليغ محتواها لبعض الشخصيات السياسية بالكونغرس الأمريكي حسب التقرير 

لقد ثبت وفق التقرير تعامل النهضة مع شركة الضغط والدعاية في مخالفة صريحة لمجلة الالتزامات والعقود وفي زمن انتخابي أيضا بل وثبت أن هذا التعامل مباشر بحكم علمها بمقتضيات العقد الموقّع لفائدتها وانتفاعها بالخدمات المقدّمة في إطاره، علاوة على توفير المواد الإعلامية في هذا الشأن، ووفق القانون فلا يقتصر الأمر لإثبات المخالفة على التصديق فقط وإنما يعدّ السكوت والرضا والانتفاع ضربا من ضروب التصديق

وما يُحسب للتقرير ومعدّه في تقديرنا أنه ذهب في الاجتهاد السليم والمنطقي والوجيه غير المتشبّث بشكلانية النص وحدوده حيث ميّز في الصفحة السابعة بين «ثبوت مسؤولية حزب حركة النهضة في استعمال مصادر أجنبية لتمويل الحملة الانتخابية التشريعية 2019 بما أن المبالغ المدفوعة في إطار العقد المذكور تُعتبر تمويلا أجنبي المصدر للقيام بدعاية انتخابية» وفي الصفحة الثامنة عدم بيان : المسؤولية الشخصية لأعضاء قائمة حزب حركة النهضة بالدائرة الانتخابية الكاف في تمويل وتنفيذ مقتضيات العقد المذكور وهو ما يتجه معه الأمر إلى إعفاء أعضاء القائمة من العقوبة المالية المنصوص عليها بالفصل 163 من القانون الانتخابي

بعبارة أخرى، «لا يمكن فصل الدعاية الانتخابية التي يتمتع بها الحزب عن الدعاية الانتخابية للقائمة الحزبية في مختلف الدوائر الانتخابية باعتبار ترشح الحزب للانتخابات التشريعية 2019 في شكل قائمات حزبية راجعة إليه بالنظر» وعليه تمتعت 33 قائمة مترشحة عن النهضة بالدعاية الانتخابية موضوع التمويل الأجنبي دون أن تكون ثمة مسؤولية شخصية مباشرة لأعضاء القائمات الذين يبلغ عددهم 2017

إن أهمية هذا التقرير كما أسلفنا لا تقف عند حدود الاجتهاد والجدّية في إنجازه فقط ولكن أيضا في كونه يمثل أول الغيث لسلسلة التقارير التي ستتبعها أحكام ابتدائية في غضون شهرين وهي خطوة مهمّة للقطع مع الإفلات من العقاب في الانتخابات وتنقية المشهد السياسي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في التجربة الديمقراطية في تونس ويظل الأمل بطبيعة الحال في تطوير التشريعات وإصلاح المؤسسات والهيئات ذات الصلة وعلى رأسها هيئة الانتخابات دون أن ننسى ضرورة نشر الثقافة الديمقراطية وتعزيزها

بقلم : مراد علالة