المدينة الفاضلة

لو ترك الحبل على الغارب للفرقة النّاجيّة، وأنجزت « تمكينها » خلال ما تبقّى من السّنة الحاليّة، وحتّى موعد الاستحقاق الانتخابيّ القادم، هل تراها ستجازف بإعادة نشر ركام التّرّهات الّتي كانت عرضته سابقا على التّونسيّين تحت مسمّى برنامجها السّياسيّ والاقتصاديّ، أم تراها ستلقي بهذه السّفاسف في سلّه المهملات وتتحف أتباعها المخلصين، وأحبّاءها، والمشجّعين لها، والمتحالفين الموضوعيّين مع توجّهاتها، وأنصارها الذّين يجهلون أنّهم يستظلّون برايتها، ببرنامجها الأصليّ، المحرّر وفقا للشّريعة المطهّرة

وفيما يلي فقرات مختارة من هذا الهرم الحضاريّ

1 – تنظيم حملات شرعيّة للرّفع من أعداد المساجد تلبية لتزايد الحاجة إليها، وبناء أعداد كافية من المصلّيّات في الوزارات والإدارات والأسواق والكنف العموميّة والمقاهي والفنادق والملاعب والمسارح ومحطّات القطارات والأرتال والحافلات وسيّارات الأجرة والمطارات والمستشفيات والعيادات العموميّة والخاصّة والورشات والطّرق السّيّارة ومسالك الطّائرات والمركبات الفضائيّة والمسالك البرزخيّة الكشفويّة المؤدّية إلى سدرة المنتهى والدّروب والسّبل الرّيفيّة والصّحراويّة الّتي لم تعبّد بعد وقد لا تعبّد أبدا ودكاكين البقّالين والجزّارين والدّجّاجين والأرنبيّين والسّمّانيّين والمستشفيات والمخابر والمعامل ومراكز الأبحاث ومقالع الأحجار والمناجم والمؤسّسات التّعليميّة العموميّة والقرآنية والزّيتونيّة والسّلفيّة والتّحريريّة والنّصرويّة، وغيرها من الملل والنّحل اللاّحقة الّتي تسير في ركب فرقتنا النّاجية المظفّرة المنصورة

2 – تنظيم حملات شرعيّة لبناء مراكز عصريّة لتعليم أصول المداواة بالقرآن الكريم، ومبادئ الرّقية الشّرعيّة وتقنيّاتها اليدويّة والآليّة، وأصول غسل الميّت وتكفينه وتلحيده وقبره، وما يتعلّق بذلك من العلوم النّظريّة والتّطبيقيّة والبحوث الْمَعَاديّة الاستشرافيّة، وبناء مدارس ومعاهد عليا تتولّى تقريب هذه العلوم القياميّة الشّريفة النّافعة للنّاشئة

3 – تنظيم حملات شرعيّة لإنشاء المراكز القرآنيّة، وتجهيزها بالمختبرات الضّروريّة لإجراء تجارب الإعجاز العلميّ وما يتّصل به من علوم التّفسير والتّشريح والتّأويل والتّجريب والإعلام والتّسويق، عملا بقول العزيز الحكيم: « وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين »، لا كلّ المؤمنين طبعا، بل أولئك الّذين يقدّمون معادهم على دنياهم

4 – تنظيم دورات تكوين هيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الحسبويّة (نسبة إلى الحسبة) الّتي تشكو من قلّة الموارد والإمكانيّات لتشمل بعنايتها كامل تراب دولة الخلافة النّاشئة، وتزويد أعوانها بآلات التّجسّس والتّرصّد والتّنصّت والتّعقّب الضّروريّة حتّى تكلّل مساعيهم بالنّجاح، ويقطع دابر الفساد من البلاد إن شاء اللّه

5 – تنظيم دورات تكوين المجاهدين بالفكر والسّاعد والهن (وهو الفرج، لمن لا خبرة له بأسرار أسلحة الدّمار الشّامل الشّرعيّة)، ومجاهدات النّكاح، وتجهيزهم بكافّة احتياجاتهم قبل ترحيلهم إلى جبهات البذل، وتسديد نسبة من رواتبهم ومنحهم وامتيازاتهم المادّيّة في شكل علاوات أو منح إنتاج لتشجيع المجتهدين منهم وحثّهم على مزيد العطاء، تدفع إلى عائلاتهم وأهاليهم وعشائرهم وقبائلهم قبل تسفيرهم إلى الجبهات الّتي ألحقوا بها

6 – استيراد كمّيات ضخمة من العباءات والجلابيب والأحجبة والنّقب النّسائيّة الشّرعيّة لتوزيعها مجّانا في الشّوارع والمدارس والمعاهد والجامعات والمساجد على المحتاجات والمعوزات وضيّقات الأيدي من طالبات الصّون والعفاف، وبناء عدد من بيوتات الطّاعة تقاد إليها في الأصفاد النّساء النّواشز والمارقات والعلمانيّات والحداثيّات والملحدات، وكلّ الرّافضات لمراسم الحياء الشّرعيّة الإجباريّة في دولة الخلافة النّاشئة

7 – استيراد كمّيّات ضخمة من العصيّ والخيزرانات والصّاعقات الكهربائيّة، الّتي صنعت في اليابان وفقا للمواصفات الإسلاميّة الشّرعيّة، وتوزيعها على الأزواج ليؤدّبوا بها زوجاتهم النّاشزات فيرتدعن إن شاء اللّه، عملا بالمثل المحلّي: « اضرب القطّوسة تتربّى العروسة »، علما أنّ طاعة اللّه تقتضي أن تضرب العروسة بدون لفّ ولا دوران لأنّه ليس ثمّة ما يضمن أن تتربّى العروسة إذا ضرب بعلها قطّة البيت بدلا عنها

8 – تنظيم دورات تكوينيّة وتربّصات خارجيّة للجلاّدين في مختلف الاختصاصات التّعزيريّة والحدّيّة المتمثّلة في قطع الأيدي والأرجل، وفقأ العيون، وبتر الأصابع، وضرب الأعناق بالسّيف حتّى الموت، والسّحل والصّلب، وتقنيّات أخرى من فنون الرّدع الشّرعيّ لا يتّسع لذكرها هذا المقام

9 – تنظيم دورات تكوينيّة لخرّيجي الجامعات التّونسيّة، العاطلين عن العمل لتحويلهم إلى دعاة وإلحاقهم بدار الإفتاء، أو بوزارة الشّؤون الإسلاميّة الحاليّة، أو بوازرة جديدة، تحدث خصّيصا للاهتمام بشؤون الدّعوة والعلوم النّظريّة والتّطبيقيّة المتّصلة بها، توكل إدارتها لرأس المحتسبين ليضطلع شخخصيّا بمهمّة إرهاب المفطرين والفسّاق والزّنادقة

10 – إنشاء أسواق النّخاسة ودور القيان الشّرعيّة في مختلف المدن الكبرى والمعتمديات التّابعة لها، على أن تعمّم لاحقا لتشمل كافّة قرى دولة الخلافة السّادسة المباركة، وانتداب إطارات الحراسة والخفارة والزّجر والتّأديب والجهاز القضائيّ الملائم لحلّ النّوازل العارضة

11 – تنظيم دورات تكوينيّة للمومسات التّائبات لتلقينهنّ أبجديّات مهنة القهرمة الشّرعيّة وأساليبها المعاصرة، وإلحاقهنّ بأجنحة الحريم في قصور الخلفاء والأمراء والوزراء وأولي الأمر كافّة، وبيوت الأئمّة والدّعاة وبيوت أتباعهم وعيونهم وبصّاصيهم وزبانيتهم وسيّافيهم، وبيوت الأثرياء وأهل اليسار وكبار التّجّار والمضاربين والمهرّبين والمحتكرين وبارونات الاقتصاد والأمن والقضاء، ورؤوس الدّولة، وغيرهم من المتنفّذين في دولة الخلافة الرّبيعيّة

12 – تنظيم حملات لهدم المدارس والمعاهد والجامعات العلمانيّة، وقاعات المحاضرات والمؤتمرات، والمسارح وورشات الرّسم والتّصوير، وفضاءات العرض، ومعاهد الموسيقى وقاعات الحفلات، وقاعات السّينما، والحدائق العموميّة، والنّوادي الرّياضيّة والثّقافيّة والموسيقيّة والأدبيّة، ودور الثّقافة ومعامل تحميض أشرطة السّينما، ومقرّات الجمعيّات المدنيّة وتعويضها كلّها بمساجد من أعلى طراز وأرقاه مجهّزة بكلّ المرافق والكماليّات، ومهيّأة لإيواء جموع المتهجّدين والمتحنّثين والقائمين القاعدين والمنقطعين والمتفرّغين، وغيرهم من جنود الرّكوع والسّجود ومكمّلاتهم التّقوويّة الضّروريّة

13 – تنظيم حملات إزالة المتاحف الوثنيّة، واستبدالها بمؤسّسات شرعيّة، خاضعة للضّوابط السّماويّة، وتنظيم حملات موازية لهدم المقامات والمزارات والأضرحة الجاهليّة، الّتي تنسب زورا وبهتانا لأولياء اللّه الصّالحين، وكافّة مظاهر التّخريف والتّجديف والتّوثّن المتفشّية في كافّة أنحاء البلاد، بما في ذلك أروقة عرض اللّوحات البلاستيكيّة والمنحوتات الوثنيّة والخزعبلات الإشراكيّة (نسبة إلى الشّرك)، المسرّبة تحت ستار الفنون الخبيثة
هذه عيّنة بسيطة من الإنجازات الرّائدة الّتي قد تتمخّض عنها عبقريّة الفرقة النّاجية في الأشهر القليلة القادمة، صيغت على مقاس مواردها الماليّة المتواضعة. ولو كان لها من الإمكانيّات ما لنفيطيّات الخليج لكانت أضافت إلى هذا البرنامج المتواضع فقرات أخرى تتعلّق بسياستها الدّاخليّة والخارجيّة، وخاصّة منها ما يتعلّق بعلاقات النّساء والرّجال في الفضاء العامّ، وعلاقات المؤمنين بأهل الذّمّة وأساليب مقاومة المرتدّين والزّنادقة، وعلاقات دولة الخلافة بدول العالم الأخرى، مع العمل الدّؤوب على استعادة الأندلس المغتصبة وفتح أجزاء أخرى من أوروبّا الصّليبيّة

ومجمل القول أنّ تونس ستصبح، بفضل هذا البرنامج السّياسيّ الطّموح، وحتّى في غياب برنامج اقتصاديّ واضح المعالم (ولكنّ نسل المحسنين لن ينقطع بفضل الله ومنّه، وسيمدّون الفرقة النّاجية بحاجتها من الاعتمادات لتحقيق هذه المعجزة الفريدة)، قوّة إسلاميّة عظمى لتصدير البؤس والخراب، وعجيبة العجائب لأنّها تكون قد حقّقت على أرضها ما كان عجز عنه الأوائل، أي إحياء المدينة الفاضلة الّتي قيل إنّها ظهرت في المدينة المنوّرة، ثمّ اندثرت فيها سريعا

فرج الحوار