هل إختار رئيس الجمهورية موعد القيام بإجراءات جريئة تمثلت في الأخذ بزمام أمور السلط الثلاث، أم هل أنه الشعب التونسي الذي إختار التوقيت؟
ليس لدي الإجابة، لكن بالرغم من أنني كنت قد حذَّرت الشباب، قبلها بيومين، على الهواء مباشرة، من خطورة اللجوء إلى الشارع للتعبير عن غضبهم، خوفا عليهم وحذري من العدو المتربص بهم، إلا أنني سعيدة وفخورة أنهم نزلوا
المطلب الرئيسي الذي طالب به الشعب، يوم 25 جويلية، وراء شعار « حل البرلمان »، كان في باطنه شعار آخر أهم ودفين في لا وعيهم، وهو تصحيح المسار. وتصحيح المسار الذي قصده الشعب، هو الرجوع إلى المطالب الذي رُفعت من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011: « شغل، حرية، كرامة وطنية »، والتي لم يتحقق منها شيء
ولسائل أن يسأل لماذا لم تحقق الأغلبية العظمى مِن مَن حكم في العشرية الأخيرة هذه المطالب؟ وهل كان بإمكانهم تقلد أي منصب لو لم تحصل تلك الهبَّة الشعبية شتاء 2011؟ الجواب سهل، فمن ناحية لم يكونوا هم من نزل للشوارع، وبالتالي، لم تكن لديهم أية مطالب يريدون تحقيقها. ولما وجدوا أنفسهم في كراسي السلطة، كان هاجس أغلبيتهم، أن يغنموا قدر المستطاع من تلك الفرصة الهائلة التي سنحت لهم والإستلاء على أكبر قدر من المكاسب من شتى الأنواع
وميزة الشعب التونسي أنه صبور وطيب، لكنه أيضا شعب يُمهِل ولا يُهمِل، وفاض كأس صبره لما إستمعوا إلى الخطاب المُستفز من رئيس مجلس الشورى الإخواني! فنزل في الشوارع وصرخ بأعلى صوته: كفى! كفى لمهزلة الحكم، كفى للاستهزاء بذكاء الشعب، كفى استهتارا بمصالحه، كفى جوعا، كفى مرضا، كفى بطالة.. ولفض الشعب كل من تقلد أي منصب مهما كان نوعه، بداية من الذي طلع كالبدر عليهم إلى أقذر سياسي سمح لنفسه بالظهور في الإعلام لإعطاء الدروس لشعب لا يحتاج أن يستحضر التاريخ كي يشهد عنه، شعب كان وسوف يبقى هو الإجابة
أما النخبة ميسورة الحال، والتي أفرقها عن النخبة الفكرية، فعوض أن تهتم بمطالب الشعب الذي صرخ مطالبه يوم 25 جويلية، فهي نسيت أو تناست تلك المطالب وإهتمت بإظهار براعتها في قراءة وتحليل وتفسير دستور هزيل كهزالة فكرها الانتهازي. لم يُورقها مهزلة الحكم الذي مورس مدة عشر سنوات عجاف، ولا المنظر المزرى الذي كان يُبث يوميا على الهواء لقردة يقدمون عرضا بهلوانيا في البرلمان (المعذرة لفصيلة القردة التي هي أذكى وأنبل الحيوانات). ولم يَقُضَّ مضجعها مجموعة قضاة مندسين، عَبَثَت بالسلطة القضائية والتي أصبحت محلَّ كل الشبهات في الداخل والخارج. لم يُقلق هذه النخبة عيش أكثر من مليوني تونسي وتونسية تحت خط الفقر، ولا المليون شاب وشابة الباحثين عن العمل ليلا نهارا، ولا حتى كل الشباب الذين فرُّوا بلادنا بحثا عن بلد يأويهم ويحترم علمهم وفكرهم ورغبتهم في الحياة الكريمة
وإجابتي لكل مَن يدعي أنه إنقلاب: أقول نعم هو إنقلاب على انتهازيتكم، وفسادكم، وفجوركم وكفركم بمصالح شعبنا وقتلكم له عرقا عرقأ! هو إنقلاب على خيانتكم للوطن وقد أقسمتم على حمايته، لكننكم لم تحموا إلا أنفسكم ومصالحكم وذوي القربى وحلفاءكم وكل الفاسدين أمثالكم
لكنني لا أتهم الإسلام السياسي الذي غزى تونس في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، وحده! الجميع مسؤول عن تدهور الحالة التي وصلت إليها تونس اليوم. هذا التيار لم يكن لينجح في تدمير البلاد لولا تحالف كل القوى الإنتهازية معه، وكل الفاسدين، من اليمين إلى اليسار، ولا أستني أحدا. بل أن سكوت الخيرين أيضا ساهم في إستفحال الداء. الأغلبية التي لم تُحرك ساكنا، بل اكتفت ببعض الجمل التي تكتبها في الصباح على صفحتها على الشبكة العنكبوتية لإرضاء ضميرها، ثم تواصل حياتها الطبيعية صيفا، شتاء وكل أنواع فصول الخضوع والخنوع والقبول بالأمر الواقع
اليوم، تونس تَمرُّ بأصعب المراحل السياسية، لأنه خلافا للرئيس السابق الذي فضَّل الانسحاب من المشهد السياسي، لن يخرج الإسلام السياسي طوعا. واليوم أصبح الصمت والحياد خيانة عظمى. ويعتبر عدم الاصطفاف ومساندة رئيس الجمهورية تواطئا مع العدو الداخلي والخارجي
الوقت عنصر أساسي لإنجاح هذا المسار لإعادة تونس إلى طريق التنمية ولضمان الأمن والأمان والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية. وبالتالي وجب الإسراع وليس التسرُّع في أخذ كل هذه الإجراءات وكل إجراءات أخرى يقترحها الوطنيون الغيورون على مصلة الشعب التونسي. والتوصيات العشر التي أريد المساهمة بها وأتمنى أن يطلع عليها رئيس الجمهورية، هي
1- توضيح مهام أعضاء الحكومة السابقة، مع تحذير واضح وصريح لأي وزير سابق تثبت شبهة تحركه ضد مصالح الدولة والشعب التونسي، بإحالته فورا على العدالة
2- إيقاف الآن كل من أجرم، بأية طريقة كانت، في حق الشعب التونسي، وإحالته على القضاء للبت في قضيته بطريقة استعجالية، وذلك لإعادة ثقة الشعب التونسي في السلطة القضائية
3- عدم السماح لأي جهات خارجية الالتقاء بمن خان الوطن وكل العملاء إحتراما لسيادة الدولة التونسية. تحذير كل الجهات الخارجية من مغبة مساعدة أعداء الوطن في تجهيز أنفسهم لردة فعل عنيفة، بما فيها عمليات إرهابية سوف تدخل البلاد في دوامة العنف
4- تكوين لجنة من 5 أشخاص لتجهيز استفتاء شعبي للرجوع إلى دستور 1959، مع تعديله وعرضه على الشعب تونسي في غضون شهر
5- تفعيل السلك الدبلوماسي وخاصة نقابته للقيام بكل الاتصالات اللازمة التي من شأنها الحصول على 3 أشهر « إستراحة » من تسديد كل الديون، لوضع خطة عمل مُحكمة لتسديدها
6- سحب كل التأشيرات التي أُعطيت لأي حزب إستغل الدين كأصل تجاري، مع تنقيح الفصل الأول من دستور 1959 قبل عرضه على الاستفتاء لضمان فصل الدين عن السياسة كي لا يأخذ أي تيار أو حركة الدين مطية لأغراضه السياسية، في المستقبل
7- تكوين فريق من 5 خبراء لتنقيح القانون الإنتخابي وعرضه لإستفتاء شعبي، قبل سنِّه
8- تكوين هيئة من 5 أشخاص لتجهيز خطة محكمة للقيام بانتخابات تشريعية في غضون 3 أشهر. مع عدم السماح لأي شخص أدانه القضاء بإجرامه في حق الشعب التونسي أو تحصَّل على أي تمويلات مشبوهة من الداخل أو الخارج في ترشحه لأي منصب كان
9- إيقاف ومحاكمة أي إعلامي يستغل المنبر الإعلامي للترويج لأي فكر إرهابي قصد إدخال البلبلة وزعزعة أسس الدولة
10- إيقاف ومحاكمة أي إمام أو معلم أو أي مسؤول يستغل أي منبر لبث الفتنة بين المواطنين والمواطنات
إستبدال مبدأ « التداول على السلطة » بمبدأ « التداول على المسؤولية »، واعتباره شعار جديد للمرحلة المقبلة كي لا يترشح أي شخص لا يؤمن بالمسؤولية التي سوف تُلقى على عاتقه مع واجب إلتزامه بخدمة الشعب التونسي، وبحماية الوطن، لا شريك له، مع ربط آليا كل مسؤولية بالمحاسبة
لقد جرَّب الشعب التونسي التجربة الفاشلة للإسلام السياسي وآن الأوان لطي هذه الصفحة المريرة التي جوعته وأهلكت ساعده وصحته، والبداية في التشمير على السواعد للكد والعمل واسترجاع ما فقدناه من تنمية ونمو وحقوق إنسانية كونية وحريات فردية. لقد اخترنا أن نعيش في أوطان والمواطنة تقتضي وتُبنى فقط على القانون!
بقلم خديجة توفيق معلى