تدوينة جديدة لنادية عكاشة : نشر غسيل وقفز استباقي من مركب 25 جويلية

للمرة الثانية في أقل من شهر تصنع المديرة السابقة لديوان رئيس الجمهورية نادية عكاشة المقيمة في بلاد الفرنجة الحدث، وتخرج عن صمتها وعن «واجب التحفظ» وتدلي بدلوها في الشأن العام وتحديدا في الشأن العام الخاص بمؤسسة رئاسة الجمهورية التي قضت فيها زهاء العامين وخرجت منها مستقيلة مقالة

كانت الإطلالة الأولى مطلع الشهر الجاري على أمواج إحدى الإذاعات الخاصة والتزمت المديرة السابقة للديوان في مداخلتها يوم 10 أفريل 2022 بالحد الأدنى من التحفّظ تماما كما فعلت في نص استقالتها يوم 24 جانفي 2022 الذي تمنّت فيه «لعناية رئيس الجمهورية ولتونس الخير»، وكان التدخل متعلّقا بالتوضيح والتعليق على نزاع قضائي لها مع زميلة جامعية وكذلك سفير تونس السابق لدى الأمم المتحدة واكتفت بالقول بأنها «تعرضت للهرسلة» وحُرمت من عقد عمل مع الاتحاد الاوروبي بضغط من جهات سياسية نافذة في الفترة التي لم يكن لها فيها أي علاقة بالسياسة وخلُصت إلى القول : لم أخن الأمانة ولم استغلّ المال العام ولم ارتكب أي جرائم.. تلفيق ملفّات قضائية كان بهدف التخلص منّي والمس من كرامتي وتشويه سمعتي لكن ضميري مرتاح وهذه الممارسات لا تزيدني إلا قوّة 

مرّت الأيام، وها هي نادية عكاشة تسجّل مجدّدا تدخلا قويا مباشرا في الشأن العام وهو وإن كان حقّها وربما دورها المواطني، فهو جراء التوقيت والمكان والشكل والمضمون، يطرح عديد الأسئلة، ليس فقط حول شخصها الذي قد يكون مجرد فاصل أو تفصيل في تاريخ البلاد، وإنما حقيقة ما تجرّأت على كشفه همسا وركزا داخل أروقة الحكم في القصر الجمهوري في زمن انطفأ فيه ضوء بقية القصور وأصبحت السلطة بكل تجلياتها ومكوناتها في قرطاج

وخلافا لتدويناتها السابقة في ذكرى رحيل الزعيم الحبيب بورقيبة مثلا أو عيد الشهداء أو عيد قوات الأمن الداخلي، جاءت تدوينة المديرة السابقة للديوان الرئاسي يوم أمس الاثنين 25 أفريل مباشرة صادمة وستكون لها ارتدادات وتداعيات دون أدنى شك

لقد عادت نادية عكاشة إلى 25 جويلية 2021 واعتبرتها «لحظة حاسمة في تاريخ تونس»، لحظة كتبت أنها عملت على أن تكون «قطعا تاما مع العفن السياسي الذي سبقها والفساد الذي نخر مؤسسات الدولة و التهاون بحقوق التونسيات و التونسيين وحتى بأرواحهم» وأضافت أنها : لحظة حاسمة وقرار تاريخي ومسار وطني كان من المفروض أن يقوم على منهجية واضحة وعلى تمش ديمقراطي جامع وعلى أسس ثابتة لبناء دولة القانون التي تحترم فيها الحريات والمؤسسات ولكن للأسف تم الاستيلاء على هذه اللحظة وعلى هذا المسار من قبل من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل

ليس ذلك فحسب، تتساءل : أين تونس اليوم من أزمة سياسية خانقة أصبحت تمثل خطرا داهما و جاثما لم تشهد له مثيلا في تاريخها الحديث! .. أين تونس اليوم من الأزمة الاقتصادية والمالية ومن تعثر إيجاد برنامج إصلاح اقتصادي جدي وواضح ومبني على معطيات صحيحة يمكننا من مناقشة اتفاق مع صندوق النقد الدولي ؟ لماذا لا تكون للإصلاح منهجية علمية و ناجعة؟

وتنهي تدوينتها بالإقرار بأنه : في الحقيقة إن عُرف السبب بطل العجب

ومهما تكن الأسباب فإن الخروج عن واجب التحفظ اليوم خارج حدود الوطن اجتهاد في غير محلّه والتداول في الشأن التونسي ولاء أو معارضة لا شرعية ومشروعية له في تقديرنا إلا متى كان على أرض هذا الوطن

ثانيا، إن تزامن الإصداح بالموقف من الشأن التونسي الداخلي مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية يفتح باب التأويلات التي قد نكون في غنى عنها رغم اليقين بتداخل المصالح والولاءات والأجندات وغيره

ثالثا، لقد قررت المديرة السابقة لديوان رئيس الجمهورية نادية عكاشة على ما يبدو مغادرة «لحظة 25 جويلية» التي يعتبرها البعض «لحظة انقلاب» والبعض الآخر «لحظة استبداد دستوري» أو لحظة الانتصار لـ«إرادة الشعب»، المهم هي بمثابة محاولة قفز من المركب كما يقال للتخلص من وزر ما حل بهذه «اللحظة» وقد تتلوه قفزات أخرى لمساندين وداعمين كثر بدؤوا يشعرون بالحرج من المسار السياسي لرئيس الجمهورية ونسقه وأفقه بالخصوص

رابعا، لقد تجاوزت نادية عكاشة التشخيص والتقييم ووصلت مرحلة تحميل المسؤوليات وتوجيه الاتهامات ولا يحتاج المرء لكثير من الذكاء لمعرفة «المتهمين» أو بالأحرى «المتهم» الرئيسي الذي «لا شرف ولا دين ولا وطنية له» وتعويله على «زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل» وهذه تهم وتقييمات خطيرة

خامسا، تقدم مديرة الديوان السابقة نفس حجج خصوم رئيس الجمهورية اليوم ومعارضيه الذين يعتبرون أن الأزمة السياسية الخانقة أصبحت تمثل بالفعل خطرا داهما وجاثما لم تشهد له تونس مثيلا في تاريخها الحديث وكذلك الأمر بالنسبة للأزمة الاقتصادية والمالية وغياب رؤية للإصلاح الاقتصادي وفق منهجية علمية وناجعة، لكن هذا التقييم على جرأته وخطورته لا يعفيها من المسؤولية فهي مسؤولة «رفيعة المستوى» في منظومة الحكم في 2019 وركيزة من ركائز قصر قرطاج حتى مغادرتها له

سادسا، وهذا الأخطر في تقديرنا، إن نشر الغسيل اليوم بهذه الكيفية وهذه المضامين يؤكّد بالفعل – وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك من تصويب أو برهنة أو نفي من قبل من يهمّه الأمر – أن وضع الحكم اليوم في تونس ليس على ما يرام وأن ما تناقلته وروّجته بعض الألسن البريئة والخبيثة على حد سواء، فيه الكثير مما يستوجب الردّ والعلاج لأنه يعكس مدى الوهن الذي بلغناه اليوم والمسؤولية تقتضي أن لا تقع شيطنة المرأة أوّلا أو تبخيس ما أتته ودوّنته وإنما التعاطي معه على أساس كونه صفارة الإنذار الأخيرة قبل غرق المركب وعدم بلوغه برّ الأمان

بقلم: مراد علالة