بين الرئيس واتحاد الشغل.. خطاب التصعيد المتبادل

شهدت نهاية الأسبوع المنقضي فصلا جديدا من «التصعيد الكلامي» بين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس الجمهورية، وفي ظل استمرار غياب التواصل المباشر بين الطرفين، قدم كل طرف منهما «خطابا» أو لنقل رسالة مباشرة في مضمونها وغير مباشرة في شكلها بطبيعة الحال

البداية كانت بخطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى إشرافه الخميس 21 أكتوبر 2021 بقصر قرطاج على الاجتماع الثاني لمجلس الوزراء حيث جدّد موقفه القطعي الرافض لما يعتبرها «الصيغ القديمة للحوار» التي انتقدها وسخر منها مقابل حديث عن «حوار جديد» هو في صميم مشروعه السياسي، حوار «نزيه» حسب قوله يشارك فيه الشباب في كامل التراب التونسي ويستثني كلّ من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج ويتطرّق إلى عدّة مواضيع من بينها النظامين السياسي والانتخابي وسيكون هذا الحوار الشبابي الشعبي «افتراضيا» وينتهي ببلورة مقترحات تأليفية قد تُتوج باستفتاء

لم يتأخر تفاعل المنظمة الشغيلة وهي تتحرك على واجهات ثلاث، ترتيب البيت الداخلي، الاضطلاع بالدور الاجتماعي والتمسك أيضا بالدور الوطني السياسي بحكم ترابط هذه الأدوار على مرّ التاريخ، وكان خطاب الأمين العام واضحا ايضا السبت 23 اكتوبر بمناسبة الإشراف على مؤتمر الاتحاد الجهوي ببن عروس وأمس الاثنين عند الإشراف على افتتاح ملتقى للنقابات الإفريقية ببلادنا، وتكلم نور الدين الطبوبي كما لم يتكلم من قبل وذكّر بأنه «لا أحد بإمكانه رسم مستقبل تونس بمفرده خارج إطار الاتّحاد» وأنه «لا تراجع عن حقنا في تطبيق اتفاقيات المفاوضات الاجتماعية» خصوصا وأن : تدهور المقدرة الشرائية سيدفع إلى معركة ضارية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد

كان هذا في باب التذكير، أما الجديد فهو طرح السؤال الجوهري حول «تجاهل» أو «إقصاء» أو «تحدي» النقابة التي يُعرّفها القاصي والداني بأنها خيمة التونسيين وهنا تساءل الطبوبي «كيف سيكون الحوار ما لم يتم تشريك الجميع بما في ذلك اتحاد الشغل ؟» وكما هو معلوم فلم يأت الرجل بالجديد في تقديرنا حين يقول «أنه لا ديمقراطية إلا بوجود الأحزاب والفيصل هو صندوق الانتخابات حسب ما تقرّره إرادة الشعب» وهذا الأصل في الأشياء وهذه هي مقومات الديمقراطية في العصر الراهن وطبيعي على هذا الأساس أن ترفض قيادة الاتحاد رفضا قطعيا العمل بما اسمته : اللجان الشعبية

على مستوى الشكل إذن خطب كل طرف في عرينه إن جاز القول، تكلم رئيس الجمهورية للشعب أمام حكومته في القصر الجمهوري، وتكلم الأمين العام للاتحاد أمام منظوريه في واحد من أهم الاتحادات الجهوية في بن عروس، ومثلما عاد ساكن قرطاج للتاريخ للتدليل على فشل الحوارات السابقة، استند الطبوبي لما يميز منظمة حشاد عبر التاريخ ايضا، والتي «لا ترتهن لأي طرف كان… وكل من سوّلت له نفسه ضرب الاتحاد كان مصيره سلّة المهملات» حسب قوله

على أن ما تجدر الإشارة إليه والتأكيد على أهميته حتى لا ينزلق البعض في الإساءة للطرفين وبالتالي الإساءة إلى تونس وشعبها، أنه لا خلافات شخصية بين قيادة المنظمة الشغيلة وبين رئاسة الجمهورية وقد لمسنا ذلك في مواقف القيادة النقابية بعد وصول قيس سعيد الى قرطاج وخصوصا بعد 25 جويلية إذ كان موقف الاتحاد محددا ومفصليا في أرجحة موقف العديد من القوى المدنية وحتى السياسية لدعم ما سمي «مسار التصحيح» ولسنا نبالغ حين نقول أن أهم فقرة في توصيف ما حصل والتي وردت في بيان المنظمة نسختها عديد الأحزاب 

ومن هذا المنطلق يمكن القول وحتى التأكيد بأن مؤاخذات المنظمة كما صدح بها الطبوبي تتمحور حول جملة من الاختلافات تتعلق بوضوح رؤية مؤسسة الرئاسة وبرامجها في البلاد لأنه لا مجال لمنح الصكوك على بياض

المعركة بالتالي هي حول الاستحقاقات الاجتماعية والخيارات الوطنية وضروري في هذا السياق البحث عن التقاطعات بدل القطيعة والهروب إلى الأمام فالتاريخ يثبت أن النقابة لم تبحث يوما عن الحكم الذي كان في بعض اللحظات في متناولها لكنها خيّرت مواصلة دورها الاجتماعي والوطني ولم تبخل على السلطة برؤاها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبكوادرها كما حصل في نشأة دولة الاستقلال

وهنا لا يمكن أن نغض الطرف عن الوهن الذي تعرفه المنظمة الشغيلة ككل النقابات في العالم وعن بعض الخيارات والتوجهات التنظيمية المثيرة للجدل والتي كان أسوأها صراحة ما حصل في المؤتمر الاستثنائي الاخير الذي يظل رغم ذلك مسؤولية من انتصر اليه دون أن نشير الى أن النقابيين ليست فوق رؤوسهم «ريشة» كما قال الأمين العام ذات يوم ومن له ملفات فعليه بالتوجه للقضاء 

هنا ايضا لا مجال للسماح لأي كان وخصوصا بعض الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي بالتطاول على الاتحاد ورمزيته ورموزه ولا بد لمسلسل استهداف خيمة التونسيين الذي انطلق بحدّة في 4 ديسمبر2012 أن يقف وأن نُغلّب صوت العقل

إن من يراهن على مواجهة بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل سواء عن قصد أو عن غباء أضاع البوصلة في تقديرنا ولم يدرك أن طرفا اجتماعيا هو الأبرز والأقوى تنظيميا ومعنويا في وجدان التونسيين – باستثناء اللحظات العابرة – هو الضمانة للاستقرار والسلم الأهلي وبالتالي تعزيز الجبهة الداخلية وصون السيادة واستقلال القرار الوطني

قد نختلف مع نور الدين الطبوبي ومع قيادة الاتحاد الراهنة برمّتها لكننا عندما نقف على فصل الخطاب في خطابهم وهم يقولون أنه «لا مجال للتدخل الأجنبي والسيادة الوطنية خط أحمر والحل لا يمكن أن يكون إلا تونسيا- تونسيا» فهذا المشترك بين التونسيين، بين السلطة والقوى المدنية والاجتماعية، بين من هو في الحكم ومن هو في المعارضة الوطنية

بقلم: مراد علالة