في ساعة متأخرة من مساء الاثنين 23 أوت 2021، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر إقدام رئيس الجمهورية على التمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه إلى غاية إشعار آخر، تفاجأ الكثيرون ببلاغ لحركة النهضة يحمل توقيع «مكتب الإعلام والاتصال» يعلن أن رئيسها راشد الغنوشي قرّر حل المكتب التنفيذي وإعادة تشكيله
وجاء في البلاغ أيضا أن الأعضاء الحاليين للمكتب سيواصلون أداء مهامهم إلى حين تشكيل المكتب الجديد وأن قرار «الشيخ» جاء «تفاعلا مع ما استقر من توجه عام لإعادة هيكلة المكتب التنفيذي… بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة» على أن تواصل لجنة إدارة الأزمة السياسية المحدثة منذ أيام برئاسة محمد القوماني أعمالها
واللافت اليوم في خطوة «الشيخ» أنها تأتي أياما فقط بعد أن سقط طلب حل المكتب التنفيذي في تصويت تم خلال اجتماع استثنائي لمجلس الشورى المنعقد بداية شهر أوت الجاري ويمكن اعتبارها خطوة استباقية لقطع الطريق أمام موجة مكثفة من الاستقالات سواء من المكتب التنفيذي نفسه أو من بقية هياكل الحركة أو حتى الحركة برمّتها
كما تجدر الإشارة إلى أن المكتب التنفيذي الحالي لم يتجاوز عامه الأول فقد زكّاه مجلس الشورى مطلع العام الجاري خلال الدورة 47 وصدرت القائمة الاسمية بتاريخ 2 جانفي 2021 وأثارت جدلا واسعا جراء انحسار حضور النساء وتثبيت وجوه محسوبة على «الشيخ» وخلق «توازنا» هشّا لم يعمّر طويلا بين «الموالين» و«المعارضين» له واحتد الخلاف بينهم وبادر بعض «الغاضبين» بالتوقيع على ما صار يعرف بعريضة المائة المنتقدة لتفرد راشد الغنوشي بالرأي والقرار داخل التنظيم وانحسار الديمقراطية فيه ومن بين الأسماء الوازنة الموقّعة عبد اللطيف المكي ومحمد محسن السوداني
وبمرور الأيام اشتد الغضب والجفاء وتفاقمت الأوضاع بعد 25 جويلية فاستقال على سبيل المثال خليل البرعومي وهو من القيادات الشابة والجيل الجديد من المكتب التنفيذي ومن مسؤولية الإشراف على مكتب الإعلام في حركة النهضة بعد أن انتقد في العديد من المناسبات سوء التصرّف فيها وبلغ به الأمر حد الاعتراف بأن حزبه : يتصرف الآن في الساحة بتعالٍ وغرور لا يعكسان وضعهُ الحقيقيّ
إن التدافع داخل النهضة لم يعد سرّا والمطالبة بـ«رأس» الغنوشي صارت جهرا فعديد ابناء الحركة من مختلف الأجيال والمواقع و«الشقوق» ضاقوا ذرعا بخياراته وهم يحمّلونه مسؤولية إيصال النهضة الى نهاية النفق وهو بخطوته الأخيرة المنتظرة والمطلوبة يحرق آخر أوراقه
نقول منتظرة ومطلوبة لان تركيبة المكتب التنفيذي المنحل «ملفقة» وقائمة على مزاج الشيخ بعد أن ضمّنها ثقاته ومريديه مقابل الاستغناء عن وجوه عديدة لها دورها ووزنها وتاريخها في التنظيم قبل وبعد 2011 بالخصوص
ولهذه الأسباب اعتبر سمير ديلو القيادي بالنهضة والنائب بالبرلمان المجمد أمس في حوار لاذاعة «جوهرة اف ام» الخاصة ان القرار الذي اتخذه رئيس الحركة راشد الغنوشي «سليم في عمقه رغم انه جاء بصفة متأخرة» ويضيف ان طريقة اتخاذه خاطئة لأنه «يضرب الثقة بين مجموعة قيادات الحركة» خصوصا وان بعضهم كان قد عبر عن نيته في الاستقالة وان البعض الآخر استقال أصلا حسب قوله
ولا تقف الانتقادات والتحفظات «المرنة» وحمّالة التأويلات عند هذا الحد الذي عوّدنا به ديلو، فزبير الشهودي القيادي التاريخي وأحد أبرز ثقاة «الشيخ» سابقا والمستقيل من التنظيم والموقّع مع مجموعة المائة رأى في القرار «خطوة للوراء من رئيس الحركة لكنها خطوة منقوصة لثلاثة أسباب، أولا : الغنوشي يواصل التحكم بدفة القيادة مادام لم يستجب لمطلب الأغلبية بتكليف واضح لقيادة جديدة تدير ملف الأزمة السياسية في حياد تام عن رئيس الحركة، وثانيا قرار اعفاء أعضاء المكتب التنفيذي للحركة من مهامهم هو استباق لعمل خلية إدارة الأزمة المكلفة بالبحث في أسباب الأزمة السياسية وتقديم تقريرها، وثالثا هذا القرار لا يكشف عن رغبة حقيقية في تقديم اصلاحات جذرية وعميقة تؤدي الى تنحية القيادة القديمة وفق أسس واضحة وحاسمة
بعبارة أخرى لن يتغير شيء تحت امرة راشد الغنوشي ولا خيار لمن تبقى على العهد في الحركة سوى استعادة التنظيم في محاولة لترميمه ومصالحته مع جمهوره الذي فقد بريقه فيه قبل الانشطار أو الاندثار أو الانحراف، وليس أدل على ذلك من «البرود» الذي تعامل به القيادي عبد اللطيف المكي مع قرار حلّ المكتب التنفيذي حيث تجاهل الأمر وفضّل التعليق على رئيس الجمهورية وهو الخيار الأسلم في تقديره بطبيعة الحال للتعاطي معه على قاعدة الصمود الذي : هو أحد الشروط الضرورية لنفكر تفكيرا وسطيا ولتحويل هذه الأزمة إلى فرصة جيدة لتونس ولكل التونسيين وبكل التونسيين
وعندما يدوّن المكي «.. كما لا يمنع أن نسجل إيجابية صمود رئيس الجمهورية ومن معه ممن يصْدقونه الرأي و القول أمام الضغوط الكبيرة عليه للذهاب في سيناريوهات سيئة وقوية يبذلها الخنّاسون الوسواسون من بعض المتدخلين في هذا الاتجاه»، هنا في تقديرنا وباعتماد القياس نقرأ ما أراد القيادي الطموح إيصاله لـ : الشيخ
بقلم: مراد علالة