برامج المدرسة التونسية وتحولات المجتمع

يعيش التونسيّون هذه الأيام على وقع نتائج الامتحانات الوطنية والمناظرات والنتائج المدرسية والجامعية. وتتفاوت تلك النتائج بين الجهات وبين الطبقات الاجتماعية ويردد الجميع أن التعليم التونسي يعيش أزمة حادة وهي في الحقيقة أزمة وطنية ومحلية وعالمية يعيشها بصفة عامة قطاع التربية والتعليم بكل درجاته. أما في بلادنا فإن وقع هذه الأزمة يصبح ثقيلا لأسباب عديدة. في هذا الإطار يتنزل صدور الكتاب الجماعي  » البرامج التعليمية في تونس والتربية على التعدد، تعليم ارتودكسي في واقع متغير ». وفيه يعمل باحثون وباحثات من الشّبان والشّابات المباشرين البحث العلمي والتدريس بالتعليم الإعدادي والثانوي بنفس الوقت، يعملون على بيان كيف تبدو برامج التعليم التونسية غير مناسبة للمتعلّم التونسي في واقع يشهد تحوّلات عميقة ومتسارعة

خصص الباحثون القسم الأول من الكتاب للبرامج التعليمية والنماذج الهووية ساهم في هذا القسم أميرة الهميلي وناظم بن ابراهيم وحازم الشيخاوي وسلمى بن عمر. وتمحور القسم الثاني حول التعليم المنمّط في واقع متعدد وأسهم فيه فهمي الرمضاني وسندة العرفاوي واميرة هميلي. قدم للكتاب عبد المجيد الشرفي ومختار الخلفاوي وتصدرته مقالة لنادر الحمامي يشرح فيها سياق إنتاج العمل الجماعي ومفهوم النماذج المغلقة في علاقتها بالتعليم التونسي

تتمثل فكرة الكتاب الرئيسية حسب رايي في وجوب تغيير البرامج التعليمية لتناسب واقع التونسيين المتغير المتعدد، إذ شرح نادر الحمامي كيف قامت ايديولوجية التعليم الوطني على تعريب المعارف والعلوم وعلى بناء مفهوم الأمة التونسية بديلا للأمة العربية في نطاق التنافس بين بورقيبة وجمال عبد الناصر والنزعة العروبية التي سادت في بداية بناء الدولة الوطنية. ورافقت هذه العملية تصورات لهوية تونسية مغلقة وثابتة لم تعد في راي الباحثين المساهمين في هذا العمل مناسبة للانفتاح الذي عليه العالم والتلميذ والتلميذة التونسية اليوم. فبينما يعيش الجيل الجديد عصر العولمة الرقمية ويرى ويسمع ويواجه تحديات حضارية واديانا واشكالا ثقافية متنوعة يجد في كتابه المدرسي نماذج قديمة تنتمي لزمن سابق حتى لوصول الفضائيات للعالم فمابالك بالعوالم الافتراضية الحالية التي جعلت الإنسانية فائقة السرعة والتعدد. ومن هنا جاءت ضرورة تغيير تصورات الأهداف التربوية والبرامج لتحقق قدرة للتلميذ على مواكبة العصر الذي هو فيه وعلى تلقي القيم المناسبة لعصره وأبرزها قبول الاختلاف والتسامح والتعدد والتربية على الديمقراطية وحقوق الانسان

إن جزء من الأزمة التعليمية هي أزمة مجتمعية بلا شك، ولكن جزء من حل المشاكل الاجتماعية يكمن في التعليم ولذلك فان التربية على قيم التعدد والتسامح مع المختلف يمكن ان تكون جزء من الحل لبناء مجتمع قابل للتعدد والاختلاف، غير ان هذا الامر كما بين عبد المجيد الشرفي في مقدمته للكتاب قد يتعسر تحقيقه الآن في الوقت الحاضر ولذلك يكون تحقيقه تدريجيا عبر محاولات الإصلاح والتحسين. من جهة اخرى لم تعد المدرسة العمومية وحدها تقدم برامج تعليمية لأطفال التونسيين، فأمام العائلات مشاريع متعددة بعضها فرنسي وآخر دولي وآخر كندي وآخر أمريكي الخ وبذلك فان رهان المدرسة العمومية ازداد تعقيدا وصارت مسألة العدالة الاجتماعية مطروحة بشكل أكثر الحاحا

بين الواقع الذي انطلق منه الباحثون والباحثات فطبقوا عليه قراءتهم الجديدة والحياة المدنية المأمول أن يساهم التعليم في بنائها والعوائق الثقافية والاقتصادية يوجد ترابط كبير، فقضية العنف المنزلي مثلا الموجّه خاصّة ضد النّساء والأطفال تساهم في تخلّف الاقتصاد وتراجع التنمية، ومع هذا نجد في البرامج التعليمية بذور التمييز وبناء شرعية العنف في الكتب المدرسية الموجهة للطفولة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قضايا أخرى لها علاقة بالتطرف والإرهاب والمرور للعنف. وهو ما يحثنا على التفكير في محتوى هذه البرامج وقدرتها على توقي هذه الآفات الاجتماعية. من جهة أخرى تبدو قضية التعليم في صميم العمل السياسي ولكن أهل السياسة تركوا هذه المسألة المتعلقة ببناء الأمن الوطني الحقيقي للمجهول. فأمام رياح العولمة العاتية والتحولات الخطرة في العالم لم يبق للسياسات الوطنية إن كانت فعلا كذلك سوى التفكير في ما يَصنع من مجموعة أفراد وطنا، من هنا ضرورة أخذ المدرسة والتعليم على محمل الجد. وفي هذا الإطار تتنزل أهمية كتاب البرامج التعليمية في تونس والتربية على التعدد

زينب التوجاني