انطلقت الحملة الانتخابية المخصّصة للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي أعدّه رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ الأحد 3 جويلية 2022، أي أنّنا شارفنا على نصف مدة الحملة التي تنتهي مع يوم الصمت الانتخابي الموافق لـ 24 جويلية، قبل الاقتراع يوم 25 جويلية الجاري بـ«نعم» أو «لا» وفق خارطة الطريق التي أعدّها ساكن قرطاج وعملت بموجبها هيئة الانتخابات في ثوبها الجديد
وكما عاين ذلك المتابعون للشأن الوطني في الداخل والخارج وبعض منظمات المجتمع المدني المعنية بالرصد ومراقبة الانتخابات، فإن الحملة الاستفتائية في جزئها الأول باهتة إلى أبعد الحدود، بل وفقيرة فقرا مدقعا في مستوى الكم وكثافة الفعاليات وتنوع الأنشطة وتعدد الأشكال، وفي مستوى المضامين أيضا لأسباب كثيرة منها ضعف الحجج صراحة وارتباط العملية برمتها بشخص رئيس الجمهورية لدرجة يكاد يقول فيها المرء أن الاستفتاء هو على شخص ساكن قرطاج وليس على مشروع دستوره
ولعلّ جملة من المطبّات والمعطيات الموضوعية هي التي أثّرت سلبا في هذه المرحلة الأولى من الدعاية الانتخابية، حيث ساهم الجدل الذي رافق نشر النسخة الأولى من مشروع الدستور المستفتى عليه يوم 30 جوان الماضي و«انتفاضة» كتبة مشروع دستور 20 جوان، ونقصد بهما رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة العميد الصادق بلعيد وأستاذ القانون أمين محفوظ، ساهم في إرباك كثير من التونسيين، أضف إلى ذلك إقدام رئيس الجمهورية نفسه على إدخال ترميمات وتعديلات وإصلاحات بالجملة على مشروعه ليلة عيد الأضحى 8 جويلية وهو ما اعتبره عدد من أساتذة القانون والنشطاء السياسيين والمدنيين أمرا غير قانوني ويستوجب بالنسبة إلى البعض تغيير الرزنامة الانتخابية بما في ذلك الحملة الاستفتائية.من جهة أخرى، عندما كشفت هيئة الانتخابات قائمة المشاركين في حملة الاستفتاء على الدستور في الداخل وضمت زهاء 170 طرف منها 27 جمعية ومنظمة و24 حزبا سياسيا وأكثر من 110 شخص طبيعي كان طبيعيا أن نخلص إلى حدود هذه الحملة شكلا ومضمونا إن جاز القول خصوصا بعد اتضاح الموقف وتسجيل انسحاب البعض وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل وتوزّع البقية بين 141 مناصر لمشروع دستور الرئيس مقابل 7 أطراف فقط معارضة له وهو ما اعتبره البعض إخلالا بمبدإ المساواة ومسّا بسمعة الإعلام العمومي المجبر على مرافقة العملية الانتخابية بالمعايير المهنية المعهودة المتصلة بالانتخابات
واللافت أكثر، هو أن المناصرين في أغلبهم من الأشخاص الطبيعيين –كثيرون منهم عُرفوا في ما سُمّي بالحملات التفسيرية وتنسيقيات قيس سعيد – ومن الجمعيات والأحزاب التي ليس لها عمق جماهيري بما أن أغلبها إما حديث النشأة أو فاشل في الاستحقاقات الانتخابية السابقة أو مراهن على الاستفادة من شرعية ومشروعية الرئيس لتعزيز حضوره وغنائمه في الاستحقاقات الانتخابية القادمة
إن من بين أهم الإخلالات والمخالفات الانتخابية البارزة في هذه الجولة الأولى من الحملة الاستفتائية والتي رصدتها أحزاب وجمعيات مدنية مثل «الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات» عدم حياد الإدارة وبعض المسؤولين السياسيين على غرار وزير الشباب والرياضة الذي حثّ دون تحفظ على المشاركة والتصويت بـ«نعم» لمشروع الدستور الجديد وقد سبق أن كان فاعلا أيضا في الاستشارة الافتراضية مطلع السنة كما دافعت رئيسة الحكومة في اجتماعها الأخير بالولاة – قبل انطلاق الحملة- على مشروع دستور الرئيس وخاصة باب المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي سيرى النور جنبا إلى جنب مع مجلس النواب
ليس ذلك فحسب، دعت أمس الأربعاء مجموعة من الأحزاب والمنظمات (آفاق تونس، حزب الشعب يريد، صمود، عازمون والائتلاف الوطني التونسي) وهي أطراف مشاركة في حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، هيئة الانتخابات إلى فتح تحقيق فوري في مصادر تمويل حملة المساندة وطالبت بضرورة اتخاذ قرارات فورية لردع المخالفين حماية لمصداقية الاستفتاء حسب رأيها
وحذرت أحزاب أخرى ومنظمات منها «عتيد» من استعمال علم وشعار الجمهورية التونسية والإشهار السياسي بما ان ذلك يعدّ مخالفة صريحة لقانون الانتخابات والاستفتاء علاوة على نشر خطاب العنف وترذيل الخصوم السياسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.وعلى غرار مجمل الانتخابات التي عرفتها بلادنا منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، لم تغب الطرائف صراحة والنوادر التي تؤكد ضعف الثقافة الديمقراطية ببلادنا وقد تحولت الإطلالات الإعلامية لبعض المشاركين في الحملة الاستفتائية إلى موضوع تندّر وفكاهة على غرار ظهور رئيس حزب في إحدى الإذاعات ينوه برئيس الجمهورية ويقول أنه كان يجالسه في المقهى عندما كان يدرّس في الجامعة وأنه اشتغل معه خلال الحملة الانتخابية وأنه : حتى كي ولّى رئيس يهز عليا التليفون وأنا في القهوة نوريهم إللّي الرئيس يكلّمني ونحن نسانده وسنصوت بنعم على الدستور
ولئن كان المشاركون في الحملة الاستفتائية بنعم أو لا، مسؤولون على ضعف الحملة ونقائصها بطبيعة الحال، إلى جانب قصور وتقصير هيئة الانتخابات التي يطول حولها الحديث أيضا وبعد أن تحدث وزير الداخلية عن 1700 هجوم واختراق لموقع تسجيل الناخبين والاستماع لـ7 متهمين، فإن للأطراف المقاطعة للمسار برمته وللاستفتاء بشكل خاص، حضورا هاما أيضا توزع بين اللجوء إلى القضاء والطعن القانوني كما فعل الحزب الدستوري الحر والأحزاب الاجتماعية واليسارية الخمسة (التيار، الجمهوري، التكتل، القطب والعمال) وكذلك العمل الميداني والإعلامي المكثف مثلما تفعل النهضة وحلفاؤها وهو ما قد يغذي الحملة «الرسمية» في فصلها الثاني لأن التحديات كثيرة منها العزوف وغياب العتبة وغموض سيناريوهات المستقبل
مراد علالة