الهيئة الوطنية للمحامين تعتبر تعليق العمل بالمحاكم إعتداءا على حقوق المتقاضين وعلى منظومة الحقوق والحريات

انّ مجلس الهيئة الوطنية للمحامين المنعقد بصفة استثنائية بدار المحامي بتونس يوم الأربعاء الموافق للتاسع من شهر ديسمبر 2020، وبعد استعراضه للوضع السياسيّ العام بالبلاد وخاصة الوضع بالمرفق القضائيّ، وإذ يعاين استفحال الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة التي تمرّ بها البلاد ممّا أضحى يهدّد مقوّمات الدّولة وينذر بعواقب وخيمة على السلم الاجتماعيّ بفعل ارتفاع منسوب العنف وتعطّل خدمة المرفق العموميّ وخاصّة مرفق القضاء الذي يعدّ من المرافق الحيوية جراء الإضراب المفتوح للقضاة وكتبة المحاكم، ممّا أضرّ بمصالح المتقاضين ومسّ بحقوقهم الشرعية والقانونية، كلّ ذلك نتيجة فشل المنظومة السياسية الحاكمة في إدارة الشّأن العام لخضوعها للتّجاذبات والمصالح الحزبيّة الضيّقة وعدم قدرتها على وضع برنامج اقتصاديّ واجتماعيّ لإنقاذ البلاد ممّا عمّق المديونيّة وارتهن المصالح الوطنية للقوى الأجنبية

واعتبارا للدّور التاريخيّ للمحاماة التونسية في الدفاع عن الحقوق و الحرّيات إبّان النضال الوطنيّ من اجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية المدنية وثورة الحرّية الكرامة والانتقال الديمقراطيّ، وانحيازا لمطالب شعبنا في التنمية و الكرامة والحرية فإنّه يعلن أنّه 

أولا : يتمسّك بمبادئ الجمهورية المكرسة بدستور 2014 والمواثيق الدولية ذات العلاقة ويدين الخطاب التحريضيّ الدّاعيّ للعنف والكراهيّة ويندّد بممارسة العنف بالفضاء العام باعتباره مسلكا يمسّ بقيّم الدولة المدنية القائمة على الحقّ والمواطنة وحرية الرأي والتّعبير وتضامنه المطلق مع جميع المعتدى عليهم 

ثانيا : يندّد بالهجمة الغوغائيّة التي تستهدف استقلالية الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي البصريّ لدورها في تعديل المشهد الإعلامي

ثالثا : يؤكّد على ضرورة احترام مكاسب المرأة التونسية طبق أحكام الفصل 46 من الدستور وتدعيمها واعتبار كلّ محاولة للنيل من مكاسبها ضرب لقيم الجمهورية ومكاسب المجتمع التونسيّ ، كما يؤكد على ضرورة صيانة قيم الأسرة التونسية وتماسكها

رابعا : يساند جميع الاحتجاجات والتحركات السلميّة الرامية للمطالبة بالتّشغيل والتنمية والكرامة ويحمّل الحكومات المتعاقبة والأطراف السياسية الحاكمة كامل المسؤولية عن تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والفشل في إدراج الإصلاحات الضرورية والانحياز لمجموعات الضغط المالية خاصّة بعد المصادقة على قانون مالية لسنة 2021 الذي لا يستجيب لتطلّعات الفئات الفقيرة والهشّة ولا يكرس أحكاما لدفع الاستثمار والإحاطة بالباعثين الشبّان و أصحاب المهن الحرة

خامسا : يعتبر أن تعليق العمل بالمحاكم لأجل غير محدد والذي لم يستثن الإجراءات المرتبطة بالحريات أو تلك المشمولة بآجال مسقطة، يتنافى ومبدأ استمراريّة المرفق ويخلّ بمبدإ النفاذ للعدالة ويشكّل إعتداء على حقوق المتقاضين وعلى منظومة الحقوق والحريات وعلويّة القانون ويحمّل كامل المسؤولية لكافّة السلط القائمة في ما وصل إليه مرفق العدالة من تعطّل يهدّد الحقوق والحريات ويمسّ بمبدإ الأمان القانونيّ والسلم الاجتماعيّ بما كرّس الإفلات من العقاب

ويؤكّد ضرورة إصلاح ودعم البنية التحتية للمحاكم من طرف وزارة العدل بتوفير الاعتمادات المالية الكافية والتجهيزات الضرورية ورقمنة العدالة وتحسين ظروف عمل وتأجير كتبة وأعوان المحاكم بوصفها من الشروط الضرورية للمحاكمة العادلة ، ويشدّد على أنّ المطالب المقدمة من الجمعيات التمثيليّة للقضاة لا تمثّل في حقيقة الأمر سوى مطالب قطاعية قد تحسن من وضعهم الماديّ دون أن تمثّل المطالب الحقيقية لاستقلالية السلطة القضائية المنشودة ولا يمكن إعتبارها إصلاحا جدّيا للمنظومة القضائية التي لا يمكن تحقيقها إلا عبر حوار بمشاركة جميع مكونات الأسرة القضائية، ويعبّر عن استيائه من عدم جدية السلطات في اتخاذ القرارات اللازمة لضمان الحدّ الأدنى من سير المرفق وإيجاد الحلول المناسبة لأزمة المرفق القضائيّ مسجلا فشل المجلس الأعلى للقضاء في حسن سير القضاء نتيجة لخضوعه للتجاذبات السياسية والجمعياتيّة وتستره على كشف الشبهات الجديّة حول الفساد كالتّستّر على شبهات الإرهاب التي راجت مؤخرا وطالت قضاة سامين مكرّسا بذلك سياسة الإفلات من المحاسبة في ظلّ عدم تبنيه لأيّ رؤية إصلاحية تشاركية فيما يتعلّق بالتشريعات المنظمة للتفقدية العامّة والقانون الأساسي للقضاة ومدونة سلوك القاضيّ

سادسا : يعبّر عن استيائه الشديد لعدم الاستجابة لطلب الهيئة الوطنية للمحامين المتكرّر لعقد حوار شامل بخصوص إصلاح المنظومة القضائية بمشاركة جميع الأطراف المكونة للأسرة القضائيّة ومكونات المجتمع المدنيّ ذات العلاقة بما يكشف عن الموقف السلبيّ للمجلس الأعلى للقضاء الرافض للمبدإ الدستوريّ المكرّس لشراكة المحاماة في إقامة العدل

وبناء على ذلك قرّر مجلس الهيئة الوطنية للمحامين إطلاق مبادرة وطنية لإنقاذ البلاد من الأزمة الحالية بالاشتراك مع كافة المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدنيّ تتضمّن خارطة طريق تضمن البناء الدستوريّ للمؤسسات وإقرارالإصلاحات السياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة الضّروريّة لتجاوز الأزمة الراهنة، وتكليف لجنة إتصال من بين أعضاء المجلس تتولى الإتصال بالمنظمات الوطنية والسلط العمومية لضمان نجاح المبادرة

كما قرّر الدعوة لعقد ندوة الفروع الجهوية موفّى هذا الأسبوع للتداول في ما آل إليه الوضع العام بالبلاد وبمرفق القضاء والإصلاحات المتعلّقة بالشأن المهنيّ والإعداد لعقد الجلسة العامّة الخارقة للعادة التي سيقع الإعلان عن موعدها في الإبان لاتخاذ القرارات والتحركات النضالية اللازمة

تونس في : 09-12-2020
العميد
إبراهيم بودربالة

بـيـان