النجاة أمل التونسيين في السنة الجديدة

عندما تتخطّى أياما صعبة، أكمل حياتك بصفتك ناجيا لا ضحية :  جلال الدين الرومي

هل تخطى التونسيون مع نهاية هذا العام الأيام الصعبة أم هل تنتظرهم أيام أصعب؟ هل يمكنهم تجاوز الشعور بالظلم الذي تراكم على امتداد عشرية دفع خلالها كل التونسيين، كل بطريقة وبنسبة، ثمن الفشل السياسي لمن تولوا حكم البلاد؟ هل بمقدور التونسيين بداية حياة جديدة يستمتعون فيها بشعور النجاة من كارثة كبرى ويستعيدون الحماس لاستئناف الحياة والعمل؟ ما هي انتظاراتهم في هذه السنة الجديدة وما هو المنتظر منهم كذلك حتى تتجاوز بلادنا هذه الوضعية الصعبة في كل المستويات؟

إن أكثر الخسائر إيلاما خلال السنة المنقضية لتونس خاصة ولكل العالم عامة هو عدد المفقودين بسبب فيروس كرونا، خسرنا أقارب وأصدقاء تركوا في قلوبنا شعورا فادحا بالفقد، وخسرت تونس عددا هاما من كفاءاتها وكان عجز الحكومة عن توفير التلقيح ومستلزمات الإسعاف مما سرّع في احتداد الردود الفعلية الشعبية المناهضة لحكم حزب حركة النهضة وشركاه، بعد أن صار عموم الشعب على ثقة تامة بأن هذا الحزب فاشل فشلا ذريعا وبأنه من يتحمل مسؤولية الانهيار العام الذي آلت إليه أوضاع تونس، يتحملها بسبب ضحالته السياسية التي تجلت في غياب كلي لأي مخطط للتنمية الاقتصادية مما رفع في نسب الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة وفي تحويل الديموقراطية التونسية الناشئة إلى آلية شكلية لم يستفد منها سوى الفاسدين ممن يملكون المال لشراء الأصوات والذمم ، بل وإلى « ديموقراطية معيبة » على حد تصنيف مجموعة الإيكونوميست البريطانية، مما دفع نسبة من الشعب إلى الكفر بالديموقراطية وبالثورة التي أتت بها وإلى التحسّر على نظام طالما عانى من استبداده وثار عليه، بل إن حركة النهضة التي لا تملك أية كفاءة لإدارة دولة ولا رؤية استراتيجية هي السبب أيضا في الوضع الذي نعيشه الآن بسبب تحالفاتها المعيبة هي الأخرى والقصيرة النظر والتي تقدم المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وبسبب تمسكها بالوضع على حاله حفاظا على مغانمها وكراسيها رغم كل مؤشرات الانفجار التي تسارعت منذ مطلع السنة المنقضية

إذن لم تخرج هذه السنة إلا وقد أتت على آمال التونسيين في تحسين أوضاعهم المعيشية بسبب تراجع كل مؤشرات النمو وارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وقلة العرض في بعض المواد الأساسية. ولأن التونسيين يعتبرون أن هذا الوضع هو حصيلة سنوات من الفشل والانهيارات لذلك يبدون إلى حد الآن نوعا من الصبر إزاء هذه الصعوبات في انتظار تحقق الحلم بالانفراج. إذن يبدو أن التخلص من حكم النهضة قد منح نسبة عالية من التونسيين أملا في « نجاة » بلادهم وفي إنقاذها خاصة من الفساد الذي أتى على الأخضر واليابس، من الإنتاج المحلي والثروة الوطنية التي لم يبق منها شيء إلى مئات المليارات من الأموال المقترضة ومن أموال المساعدات التي لم تفلح في إحداث تنمية ولا في الحد من تفشي البطالة ولا في تحسين الخدمات العمومية والبنية التحية، فالتعليم في أسوأ حالاته والقطاع الصحي مريض حقا وخدمات النقل أعادت تونس إلى فترة الستينات أو أسوأ. وقد ساهم هذا الوضع والانتظارات الشعبية في فتور الاهتمام بالقضايا السياسية وبما له صلة بالوضع الاستثنائي الراهن وبما قد يكون له من آثار سيئة تزيد الوضع تعقيدا مع الاحترازات التي يبديها المانحون وأصدقاء تونس التقليديون. إن أمل النسبة الأكبر من التونسيين اليوم معقود على تحسين الأوضاع المعيشية توفير الشغل للأعداد المتزايدة من العاطلين والمحافظة على مواطن الشغل التي تضررت من الجائحة وعلى المؤسسات المهددة بالإفلاس وعلى خلق مقوّمات التنمية الاقتصادية حفاظا على الاستقرار الاجتماعي. وبين أمل في نجاة من الوضع الكارثي وخوف من فوضى اجتماعية إذا استمر الحال على ما هو علية انشغل التونسيون عما يجري على الصعيد السياسي فبدت نسبة منهم وكأن الاستشارة الإلكترونية المعلنة لا تعنيهم ولا يعنيهم شكل الدستور المتوقع ولا الإصلاحات المنشودة في النظام الانتخابي، ولا يدركون خطر انقلاب الديموقراطية المعيبة إلى نظام هجين أو استبدادي إذا لم تسر الإصلاحات في الاتجاه الذي ينقي التجربة الديموقراطية التونسية من عيوبها ولم تضمن استئناف الانتقال الديموقراطي على قواعد سليمة . إن قانون المالية، ورغم طابعه التقني وغياب التوجهات الكبرى والرؤية لعامة، بدا أكثر ما يهم التونسي في الوضع الراهن وهذا دليل على أن الديموقراطية السياسية مع الفقر والخصاصة وغياب العدالة الاجتماعية تنتج هذا الوعي السياسي المعيب الذي لا يدرك العلاقة الوثيقة بين الأوضاع والاختيارات السياسية من جهة وما يترتب عليها من آثار على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى. يبدي التونسي اهتماما كلك بمطلب القضاء على الفساد ومحاربة الفاسدين وبعضهم يتصور أن هذا هو المدخل لاستعادة الثروة المنهوبة ولإعادة إطلاق اقتصاد وطني يحقق النمو المنشود ويحسن الأوضاع المعيشية، وبعضهم يتعامل مع القضية برغبة في التشفي والحال أن ملف الفساد بكل أنواعه من أخطر الملفات التي يجب أن تعالج قانونيا بوساطة هيئة قضائية مستقلة لها كل الضمانات لمعالجة الملف معالجة عادلة تعيد لتونس حقوقها المنهوبة وتعيد الحقوق إلى أصحابها وتنصف كل من تعرض إلى ظلم، بل وتفتح ملفات لا يمكن لتونس أن تنجو من آثار العشرية المنقضية دونها وهي ملف الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر الصراع وما يعرف بملف الجهاز السري

إن العمل على الحد من الآثار الكارثية على الأوضاع الاقتصادية بمراعاة حد من الانسجام بين إكراهات الصعوبات الهيكلية ومراعاة الوضع الاجتماعي الصعب لفئات متزايدة من التونسيين، والسعي إلى إعادة بناء دولة مدنية ديموقراطية بقوانينها الواضحة ومؤسساتها الثابتة ، ووضع استراتيجية لمنوال اقتصادي جديد مع الشروع في إصلاحات هيكلية للتعليم والصحة والنقل هي الأركان التي نراها كفيلة بنقل التونسيين من وضع حالة الإحباط العامة والشعور بكونهم ضحايا إلى وضع الشعور بالقدرة على النجاة وإعادة البناء الجديد. ويظل الشرط الجامع في نظرنا هو العمل، العمل بجدية وصدق مهما كان المجال ومهما كان هذا العمل، فالشعوب العاملة والجدية والمنضبطة استطاعت أن تتجاوز أوضاعا أكثر مأسوية بكثير من الوضع الذي تمر به تونس اليوم

بقلم زهية جويرو