ملتقى الرواية التونسيّة
شكرا لكل الأصدقاء الذين سعوْا رغم قيود الكرونة إلى هذا الفعل الإبداعي في كتابة نصوص كرونيّة، يكفي أن نذكر هنا الصديقين بشير الجلجلي ومحمد صالح مجيد وغيرهما ممّن أنا شاكر فضلهم، وها هو نصّي الذي ساهمت به
الكرونة والكتابة
يعيش الحجر الصحّي معي، يشعرني بالضيق والقيد، يحاول أن يكبّلني، ويسعى ليكبح قلمي، غير أنّ عادتي في الكتابة قد ألجمته، وتعوّدي على المكوث طويلا بالمنزل ما أشعرني كثيرا بالحجر الزمنيّ والمكانيّ، مع هذا فإنّي أعترف بأنّي أعيش القيد الذهنيّ وأقاومه في الوقت نفسه، فعدا دوري في العائلة، وما يسرقه النوم منّي، وغسل يديّ عديد المرّات، وقراءاتي الليليّة تراني كاتبا خصوصا.
أنا في تفاعل فايسبوكي أتابع الشأن العام في هذا الوضع الكوروني بتدوينات أو نصوص سرديّة أعتبرها مسؤوليّة كبرى لدقّة الوضع، فالكتابة مقام وتلقٍّ كذلك. وأنا واضع للمسات أخيرة لكتاب بدأته منذ حوالي ثلاث سنين يدرس » التدوينات الجداريّة » دراسة لسانيّة علميّة، وكذلك متمّ لروايتي » جبل الجلود » التي تمثّل بالنسبة إليّ جوهر أعمالي السرديّة، ومع كلّ هذا أعدّ بعض دروسي الجامعيّة مكيّفا لها حسب ظروف العودة المأمولة. تراني بين هذا وذاك حسب ما يمليه مزاجي وعالمي النفسيّ وتوجيهي العقليّ.
غير أنّ كتاباتي هذه ليست وليدة ملء فراغ، أو فيض في الزمن، فأنا متعوّد على الكتابة، والجامع هذه الأيّام بين كتاباتي أنّها متقطّعة، إذ أقطعها بحثا عن معلومة كورونيّة، فتراني أنتقل من التلفاز إلى الإذاعة إلى صفحات الفايسبوك، أبحث عن خبر يبعث الأمل، أو نبأ أنشد اللطف فيه، ولا ريب أنّ نوع المعلومة يؤثّر في استرسال الكتابة أو قطعها، فلْنسترسلِ الكتابةَ، ولْتقطعِ الكورونة.
صرت جرّاء متابعتي لحالات الكورونة مغرما بالأرقام، لا تغادرني الآلة الحاسبة، فتراني أتابع إعلان وزارة الصحّة، وأنصت إلى أخبار مختلف الإذاعات أعدّ الوفَيات والشفايات والإصابات الجديدة وأنا ألعن الأرقام المثبطة للعزائم، مشهرا في عائلتي الأرقام الباعثة على التفاؤل، وجامعا طارحا في عمليّات حسابيّة كان ابني طالب الإعلاميّة فطنا إلى خطئها، فيشير إليّ من بعيد أن أكتفي بكتابة الأدب.
تعقّد عليّ الحساب بالحديث عن الملايين والمليارات لشراء الكمامات، كثرت الأصفار وأنا أحسب لتتبّع شبهات الفساد وأقنع ابني الأكبر بقدرتي الحسابيّة، فإذا به يذكّرني في لطف أن لم يبق للإفطار إلاّ وقت قليل، ما أقلقني أنّ الآلة الحاسبة نفسها كانت تلحّ على أنّ الفساد ليس إلاّ « فزّاعة » من صنع الفقراء لتشويه أصحاب السلطة والأغنياء.
كانت نتائج الكرونة تتحكّم في مزاجي، فتراني كاتبا في أوج حالاتي أحيانا، وقارئا أخرى ما تيسّر ممّا ينسيني هموم الأرقام، ومشاهدا التلفاز أسخر من الأفلام الأمريكيّة التي خسئت أمام الفيروس، فتهاوت صورتها، وسقطت أسفل سالفين.
كنت أمنّي النفس بالمساعدة على القضاء على الفيروس، لا قدرة لي، فأنا كاتب في زمن لا تأثير فيه للكتابة، غير أنّي منذ أيّام عزمت على كتابة نصّ كرونيّ، جعلت من الفيروس بطلا، نفخت في روحه، ومكّنته ممّا شاء، كنت أستدرجه، وأروّضه، وأقول له كلاما ناعما لأخدّره حتّى إذا وثق فيّ وحانت الفرصة برّحته ضربا ورفْسا وعفْسا أجهز عليه، وأخلّص العالم منه. وأنا أستعدّ للحظة الحاسمة، سمعت في الإذاعة أرقاما كورونيّة أفزعتني، وضعت القلم على الطاولة في لطف، وانسللت إلى فراشي أمشي على أطراف أصابعي أكاد أعترف له بجريمتي، وأطلب الصفح منه.
وبينما كنت أندسّ في خدري وأسناني تصطكّ خوفا من جريرتي جاءتني إشارة من » ليلة انتشى القمر… » أن القاصّة نورا الورتاني قد خطّطت لتضع شركا للسيّد الكوفيد التاسع عشر لتوقِع به وتستدرجه ليتمّ » تجديره » في حائط منزلهم بباب الجلاّدين…جزاء تلصّصه على نساء العائلة ولكن حنّبعل يعترف أنّه الفاعل في سيرته القصصيّة « خطأ حنّبعل »….وكانت الاعترافات
القاصّ والروائي توفيق العلويّ