الصحفي سفيان رجب المطرود نهائيا من « دار الصباح » يبين الأسباب الحقيقية لطرده

إني الممضي أسفله سفيان رجب مدير التحرير ورئيس التحرير السابق لمؤسسة « دار الصباح » والصحفي في نفس المؤسسة منذ 32 سنة، أتوجه لزميلاتي وزملائي الصحفيين والإعلاميين وإلى كافة الرأي العام بهذا البيان الذي يعبر عن الانشغال الكبير لما آل إليه الوضع في مؤسسة « دار الصباح » في الفترة الأخيرة من ترد وانهيار وخروج كامل عن المبادئ والثوابت الصحفية بعد أن تولى المفوض الحالي، موظف وزارة المالية الذي جاءها لمدة محددة بـثلاثة أشهر تم التمديد فيها، إدارتها وسيطرته على التحرير وتغيير الخط التحريري لصحف الدار التي فقدت كل ثوابتها ومبادئها التي سار عليها أجيال من الصحفيات والصحفيين منذ 74 سنة

هذا الوضع، انتهى بالمفوض موظف وزارة المالية والمكلف أساسا بالتسيير الإداري والمالي للمؤسسة لا غير الى اتخاذ قرار بـ « طردي نهائيا » من المؤسسة التي عملت فيها لأكثر من ثلاثة عقود دافعت من خلالها على الوطن وعلى المبادئ والثوابت المهنية وأسسها. وكنت طيلة هذه المدة صاحب رسالة وطنية واعلامية وأرشيف جريدة « الصباح » ومقالاتها وافتتاحياتها تشهد على ذلك وهو ما أكدته موجة التعاطف الكبرى التي غمرتموني بها اثر بيان نقابة الصحفيين التونسيين مشكورة المستنكر لما أقدم عليه المفوض موظف وزارة المالية

وبعد كل ما قدمته للمؤسسة سواء كصحفي او كمسؤول وخاصة في فتراتها الصعبة والتي اوشكت خلالها على غلق أبوابها، أجد نفسي اليوم وقبل سنتين من خروجي على التقاعد، « مطرودا » تعسفيا ودون سبب مقنع من قبل « مسؤول » على مؤسسة إعلامية مصادرة لا علاقة له أساسا بمهنة الاعلام

إن الذريعة التي قدمها المفوّض لطردي، وهي امتلاكي موقعا إلكترونيا خاصا أنشأته منذ 11 سنة بموافقة مسؤولي المؤسسة وبعلم الجميع، بمن فيهم المفوّض نفسه، ليست سوى تعلة مجانبة للحقيقة والواقع. فقد تخليت طوعا عن الإشراف على هذا الموقع منذ تسلّمي مسؤولية إدارة التحرير، وهو أمر موثّق لدى الإدارة، وشهدت به الزميلات اللاتي سلمتهن مسؤولية الاشراف على الموقع

إن « طردي النهائي » من مؤسستي، يعد سابقة ليس في تونس فحسب بل في كل دول العالم التي تحترم أقلامها وإعلامييها الكبار سنا وخبرة.. فأنا وبالإضافة الى 32 سنة من العمل في « دار الصباح » تدرجت فيها في كل الخطط والمناصب الى ان وصلت اعلاها كمدير للتحرير، تقلدت عديد المناصب في القطاع منها حوالي 10 سنوات صلب المكتب التنفيذي وهياكل جمعية الصحفيين ونقابة الصحفيين. وكذلك عضو لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب.. هذا التاريخ وهذا الإرث الإعلامي الذي اعتبره كبيرا قوبل بالجحود والنكران عوض التكريم وانا في نهاية مسيرتي المهنية وقبل سنتين من التقاعد

الزميلات والزملاء.. الاصدقاء الكرام

هذا القرار ليس إلا تتويجا لمسار من التضييق انطلق منذ سنة 2022، حين حاول المفوّض الحالي التدخل في التحرير، فتصديت له دفاعا عن استقلالية العمل الصحفي. ولمّا رفضت الخضوع لإملاءاته، فضّل الاستقالة بعد سبعة أشهر فقط. ثم، وفي خطوة مستغربة، أعيد تعيينه بقرار من وزيرة المالية السابقة، بعد أن نشرت تدوينة يوم 14 جوان 2023 انتقدت فيها تردّي أوضاع المؤسسة ودافعت عن زملائي وعن مؤسستي التي كانت مهددة بالإغلاق محملا وزيرة المالية السابقة ومن فشلوا في إدارة المؤسسة المسؤولية. وجاء في تلك التدوينة: « الصباح الأربعاء ليست كالعادة حزينة بالأبيض والأسود وبصفحة أولى اكتفينا فيها برسالة الى رئيس الدولة بعد أن غض البقية الطرف على الوضع بالرغم من أنهم يتحملون المسؤولية ومنهم خاصة وزيرة المالية التي ساءها في يوم ما ما تشهده الصباح من نقلة وتحوّل..شكرا للكرامة المالكة دون رعاية وشكرا للحكومة وخاصة لسهام نمصية.. سنبقى وسترحلون

لقد شكلت تلك التدوينة ومواقف أخرى دافعت فيها عن المهنة وعن مؤسستي وموطن رزق زملائي، نقطة تحول جعلتني هدفا لحملة تضييق ممنهجة، بلغت ذروتها بإبعادي عن ادارة تحرير صحف « دار الصباح » عبر مجرد مكالمة هاتفية واردة من مكتب المفوض في وزارة المالية، ثم لاحقا بطردي النهائي وهذا كما قلت نتيجة لموقف مبدئي اتخذته حماية لمؤسسة « دار الصباح » وصحفها وأعوانها وحماية لمبدأ فرضه القانون ويشاطرني فيه كل الزملاء وهو مبدأ « فصل الإدارة عن التحرير ». وكان نداء الاستغاثة الذي أطلقته صحبة أبناء الدار وعنوانه « الصباح في خطر » نقطة التحول التي انقذت مؤسسة عمرها اليوم 75 سنة حيث استجاب رئيس الدولة مشكورا لهذا النداء وشرفنا في مؤسستنا وأعطى تعليماته السامية لإنقاذ هذا الصرح الإعلامي من التلاشي

وبعد ان أنتعشت المؤسسة مجددا، ووقف كل أبنائها من أجل حمايتها وتطويرها واتخذا عديد الإجراءات لضمان ديمومتها من خلال دفع تحولها الرقمي وتنمية مواردها المالية عبر ملاحق اشهارية وغيرها ورقمنة الأرشيف توقف كل شيء وكأن البعض ساءتهم هذه الانتعاشة. فقد أعيد تعيين هذا المفوض مجددا على رأس « دار الصباح » رغم استقالته السابقة، وذلك في أواخر أفريل 2024. والغريب أنه وحتى قبل مباشرته لعمله ودخوله مكتبه، بادر المفوض المعينّ بإنهاء مهامي من على راس إدارة تحرير صحف « دار الصباح » بمجرد مكالمة هاتفية واردة من مكتبه في وزارة المالية. ليدخل بعدها في سلسلة من التعيينات لمسؤولين على راس التحرير مطعون في قانونيتها، ثبت فشلها حيث سرعان ما اقالهم بعد شهرين من تعيينهم ليبقي بعدها إدارة التحرير تحت مسؤوليته وهو أمر مخالف للقانون وخاصة للمرسومين 115 و116. ليبقى المفوض هو المسؤول الوحيد إداريا وتحريريا الامر الذي اربك مسار المؤسسة وساهم في انهيار كل الثوابت التي عرفت عليها « دار الصباح » بعد وضع اليد على التحرير والتدخل في الخط التحريري وتغييره. وكانت النتيجة واضحة للقراء والمتمثلة في انهيار كبير لمستوى صحف الدار الورقية والرقمية بعد ما شهدته من تطور كبير ومستوى اعلامي راق في السنوات الأخيرة أعاد للصحافة المكتوبة بريقها بشهادة الجميع. بعد ذلك شرع المفوض موظف وزارة المالية في موجة من الإقالات والتعيينات البعيدة كل البعد عن الجوانب المهنية التي يمكن أن تفيد صحف الدار والنتيجة عاينها الجميع. فما بناه أجيال من الصحافيين والاداريين والتقنيين في « دار الصباح » منذ عشرات السنين، انهار في أشهر قليلة

الزميلات والزملاء، الاصدقاء الكرام

لقد اصبحت مؤسسة « دار الصباح » العريقة تعاني من مشاكل واشكاليات وصعوبات مالية بالرغم من محاولات أبناء الدار الغيورين عليها والحريصين على ديمومتها الحد من هذا النزيف وانقاذها سابقا بتحرك استجاب له رئيس الدولة الذي اعطى تعليماته السامية للدعم والمساعدة والإنقاذ مؤكدا كم من مرة أنه « لا مجال للتفريط في دار الصباح وتأكيده خلال زيارته التاريخية التي قام بها الى المؤسسة يوم الجمعة 16 جوان 2024 إثر رسالة وجهت له من طرفي نيابة عن جميع الزملاء بمختلف اصنافهم داخل الدار استجاب لها مشكورا: » أنه لن يقبل بالتفريط في الصحيفة أو التنكر لها، لأنها جزء من تاريخ الصحافة التونسية التي لا بد أن تستمر ». وتشديده الدائم على أن « دار الصباح » ليست مؤسسة اقتصادية وأرشيفها لا يمكن بيعه. ثم اذنه بدمج مؤسستي « دار الصباح » و »سنيب لابريس » ضمن مؤسسة واحدة وهو القرار الذي صدر فيه حكم نهائي وبات منذ 30 أكتوبر 2024 (المحكمة الابتدائية بتونس-تسوية قضائية عدد 976-الصادر في الرائد الرسمي عدد 129 بتاريخ 6 نوفمبر 2024)

الزميلات، الزملاء الاصدقاء الكرام

ما يحدث اليوم في « دار الصباح » لا يتعلق بشخصي فقط، بل بمؤسسة وطنية تعتبر منارة في تاريخ الصحافة التونسية. فرغم الجهود التي بذلناها لإخراجها من أزمتها، ورغم تفاعل رئيس الجمهورية مع نداء الاستغاثة وقيامه بزيارة تاريخية للمؤسسة وتأكيده أن « دار الصباح ليست للبيع »، فإن الأيادي المرتعشة عادت لتعبث بهذا الإرث الوطني

هذا توضيح وكشف حقائق يوضح الأسباب الحقيقية لقرار مفوض « دار الصباح » موظف وزارة المالية طردي من مؤسستي الاعلامية التي حرصت مع زملائي ماضيا وحاضرا على الحفاظ عليها وعلى ارث وثروة على ملك كل التونسيين وقع بين ايدي من لم يقدر حجمه وقيمته ومكانته في تاريخ وحاضر ومستقبل تونس

هذا غيض من فيض أردت انارة زملائي الإعلاميين والرأي العام به.. وما خفي كان أعظم
تحيا « دار الصباح » كما أراد لها مؤسسها الحبيب شيخ روحه منارة اعلامية

تونس في 31 ماي 2025
سفيان رجب
مدير التحرير-رئيس التحرير السابق لدار الصباح
صحفي بدار الصباح منذ 32 سنة

بيان