لقد عبر التونسيون تعبيرا واضحا وعفويّا عن فرحتهم ليلة 25 جويلية بما لا يمكن إنكاره، وردد الشباب الهتافات

زينب التوجاني
ودقت مزامير السيارات ورفعت الأعلام، وشعر التونسيون أنهم تنفسوا أملا جديدا حين أغلقت أبواب البرلمان بالسلاسل، وفشلت دعوة الغنوشي للاعتصام وفشلت عقود اللوبيينغ في تغيير مشاعر التونسيين نحو ما حدث ليلة 25 جويلية. لقد هبوا بكلّ حماسة لاستقبال الاجراءات المفاجئة ولم يعبؤوا إن كان ذلك يسمى انقلابا أم لا
غير أن ما يلفت الانتباه هو سلوك التونسيين بشكل عام والشباب بشكل خاص تجاه هذه الأحداث، فبين ليلة وضحاها استبدلوا خطابا بخطاب وجعلوا يطلبون من الرئيس قيس سعيد مطالب عديدة: بعض تلك المطالب تتعلق بالمحاسبة وبعضها بالتشغييل وأخرى فقط للتفكه والتندر مما يؤكد أن وجدان التونسيين نشأ على علاقة خاصة بنظام الرئاسة. وغابت من الفضاء الافتراضي كلمات كان يسمى بها الرئيس للتعبير عن مبالغته في الوقوف على الحركات نهاية الكلام كنعتهم إياه بالاغشيدي بل وصاروا يمدحونه فيقولون الاغشيدي سحب من تحت النهضة البساط ووضع حدا للإسلام السياسي. إن العلاقة بين الشعب والرئيس تشبه علاقة الطفل بوالده حيث يُسقط الطفل على أبيه مجموعة من الصفات كالبطولة والمثالية والقدرة الخارقة والعظمة ويتماهى مع تلك الصورة المتخيلة حتى يصدقها فلا يقبل أن يكون والده أبا عاديا ولا أن يكون بشرا يخطئ ويصيب وينجح ويفشل. هكذا ينتظر الشعب من الرئيس أن يحاسب الفاسدين ويرجع الأموال المنهوبة ويعيد تقسيم الثروة ويعالج المرضى بالكوفيد ويجد للجميع فرصا للشغل ويضع التونسيين على الصراط المستقيم ويفتح لهم أبواب الجنة والنعيم
لكننا نعلم جيدا حال تونس الاقتصادية وديونها وتاريخ التهميش ف جهاتها التي تفتقر إلى الحاجيات الأساسية ونعلم أيضا أن الكهرباء لم تعد تكفي الجميع فيتم قطعها دوريا للاقتصاد فيها، وأن قرى ومدنا تعاني انقطاع الماء الصالح للشراب مع أنها بجوار سدود وبجوف أرضها مياه عذبة كحال عمدون التي لم تعد الشبكة والتجهيزات قادرة على ضخ الماء الكافي للجميع وكحال عشرات القرى والأحياء في تونس من شمالها إلى جنوبها
لقد شعر التونسيون بالأمل بعد تجميد العمل البرلماني وتفكيك الحكومة وشرعوا ينتظرون أن تنخفض الأسعار وتزدهر الأعمال وتنتعش الحياة اليومية، وهل يمكن حقا لرئيس مهما كان صادقا أن يجد حلولا حقيقية لشعب لا يثور على الفساد الذي ينخره في كل اتجاه بدء بالغش في البيع والشراء وصولا لدفع الهدايا والرشاوى للحصول على خدمات أو الإخلال بالواجبات المهنية وحتى العائلية؟ هل يمكن أن تتحقق خطوة إلى الأمام لبلد لا يبذل جهدا لترك قيم التواكل والخرافات ولا يضبط خططا لبناء الذات الفردية والجماعية؟ كيف يمكن لرئيس أن يجد حلا للذين يلقون الفضلات في الشوارع وللذين لا يحترمون القوانين وللذين لا يحسنون التعامل مع الجيران والعمال والأصدقاء والشباب والأطفال والذين يستخدمون ذكاءهم في خلق المشاكل وما يسمىّ بال »تكمبين » والثرثرة والاهتمام بسفاسف الأمور وتوافه الأشياء وقذف الأعراض والتهكم على الغير وقتل الوقت في المقاهي بلا فائدة بدل الانكباب للبناء والعمل؟
إن شعبا لا ينقلب على عاداته السيئة التي تهدر الجهد والوقت والقيم والعيش المشترك لا يمكن أن يقلب الطاولة على الفقر والجهل والأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذلك أن رئيسا للدولة مهما كانت رغبته قوية في الإصلاح لا يملك قمقما سحريا ولا يمكن أن ننتظر أن تنقلب الأحوال بين ليلة وضحاها إلى الأفضل دون أن ندفع ثمن ما يتطلبه النهوض بالمجتمع والاقتصاد ويتمثل في الاستفادة من الوقت وعدم إهداره وعدم إهدار الطاقات في التخريب والعنف والهدم أو الحلقة المفرغة بل العمل والجد وبناء القوة الذاتية والتركيز على وضع الحجر بعد حجر عسى يرتفع البناء ويزداد صلابة وقوة حينئذ يمسي الشعب رئيسا وسيدا لمصيره
بقلم زينب التوجاني ، نُشِر على جريدة الشروق