حادثة بسيطة في ظاهرها غير أنها عميقة فيما تحمل من دلالات.لم أقدر على نسيانها رغم طول الزمن، وهذه الأيام، وبعد تصريحات الغفاص طفت حيّة كأنها وقعت أمس: كان ذلك سنة 2000..سافرت في رحلة علمية إلى اليمن للاطلاع على الرقوق والمخطوطات بصنعاء وعدن وسيئون وشبم وسبأ.. ولا أخفيكم أنّها كانت رحلة ثرية أتذوّق حلاوتها إلى يومنا هذا..رحلة حملت إليّ مفاجآت ما كنت لأكتشفها في بلد آخر..على كل اكتفي بذكر هذه الحادثة: كنّا نشتغل بالجامع الكبير بصنعاء، في غرفة صغيرة بأعلى الصومعة.. وكنت أنا « الحرمة » الوحيدة في الفريق..وبما أنني ارفض وضع غطاء على رأسي كان من الواجب أن أتوقف عند أول الشارع وأضع غطائي وأنتظر إمام الجامع الكبير حتى يخرج إلي ليأخذني في حمايته وأشق صحن الجامع وبيت الصلاة..كان بيده مفتاح غليظ يفتح به باب الدرجات العالية التي توصلنا إلى بيت العمل..وكنت استرق النظر في المصلين الكسالى وهم ينتظرون مواعيد الصلاة.. وكأنّ الحياة لا تنشط سوى بآذان المؤذن لتتوقف بعد الصلاة عقارب الساعة
كنت في ذلك اليوم أشعر بالتعب وبارتفاع الحمّى نتيجة الحساسية التي تمكنت من جسمي لملامسة الرقوق وقد علتها الرطوبة، قدم الإمام » الشيخ مطر » ليؤمّ الجماعة في صلاة المغرب،فانتهزت الفرصة واستأذنت الأستاذ الشرفي في الخروج..واتفقنا على اللقاء للعودة الى مقر إقامتنا بعد ساعة،قرب بائع البخور.. خرجت اتسكع وأبحث عن ذرة من الهواء النقيّ..وقادتني قدماي إلى دكان لبيع الفستق، دخلت..واصطدمت بمنقبة تتحدث إلى التاجر..كانت ضحكاتها هستيرية شبيهة بالصراخ، وكان التاجر في حالة انتشاء لهذه الرفقة اللطيفة.. دفعني فضولي إلى أن أفتح معها باب الحديث: هل تتناولين القاط؟ فرفعت خمارها.. وإذا بفمها قد امتلأ بالعشب، وهي في حال من النشوة لا توصف..فاعترضت » لكنه مضرّ بالصحة » ضحكت، وأخذت بيدي لوضعها على بطنها..فإذا هي حامل..بقيت صامتة وعادت إلى غزل التاجر بها..فتطفلت مرة أخرى وسألتها: لكن كيف تخرجين من البيت؟ هل استأذنت زوجك؟ ضحكت مرة أخرى وكادت تتهمني بالسذاجة ..وقالت: شوفي يا ستي أنا الزوجة الثالثة..واتفقنا نحن الثلاثة على أن نكتم أسرارنا..طبيعي زوجنا يشتري الجزمات..و بما أنّه بين اليقظة والمنام من القيلولة إلى الصباح ويتناول القاط في مجلس خاص فنحن لدينا هذه الحرية..اشترت كل واحدة منّا جزمة واخفتها عن عيني الزوج..وعندما نخرج نلبس جزمة ما شافها خلاص ..احنا هذي حياتنا..وأطلقت ضحكة قوية وصاحبها التاجر مثمول لحضرة الأنثى..فسألته وأنت ماذا تفعل مع حريمك فأجابني أنا من عدن لا أتناول القاط.. خرجت من الدكان بعد أن رجّت كل القيم في ذهني رجّا
حرية المرأة ومساواتها بالرجل مسؤولية قبل كل شيء..وكيف تلفها يا سي الغفاص بكفن راهي تعمل حيلة والبطيط تقوم بيه وفي قرارة نفسها الرجل هو مسؤول موش هي
هذه شهادة من الواقع
الدكتورة نائلة السليني