الدروس الخصوصيّة أو أزمة الضّمائر

سأكتفي ببعض الملاحظات في موضوع حديث الساعة أي تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصيّة وقرارات وزارة الاشراف في معالجتها. بحكم تجربتي في التعليم كأستاذ مر بالتعليم الثانوي والعالي وبحكم وضعي العائلي كأب لبنتين، الكبرى أضحت استاذة جامعية والثانية في مرحلة الماجستار. من يتابعون وضع التعليم يعرفون ان ظاهرة هذه الدروس الخصوصية لم تكن موجودة او نادرة حتى بداية الثمينات من القرن الفائت ثم أضحت تدريجيا كالنار في الهشيم خاصة في المدن الكبرى

صحيح أنّ هنالك عوامل كثيرة تدفع لذلك مرتبطة بحال التعليم من حيث ظروف العمل وحالة المؤسسات التعليمية وتدهور للمكانة المادية للمدرّس (معلما او استاذا) وفرض نظام المدرسة الأساسية والغاء مناظرة السيزيام والاحتفاظ بالتلاميذ مهما كان مستواهم حتى النافيام واشتداد التنافس بين الاولياء لضمان توجيه جيد لأبنائهم في اختصاصات معينة في الجامعة. عوامل كلها تفسر تفاقم الظاهرة لكن ليست لوحدها ولا الهامة فيها

في تقديري هنالك ثلاثة اطراف ضالعة في هذا المشكل : الوزارة والولي والمدرّس. سلطة الاشراف على التعليم مسؤولة على اطار التعليم العام وفيه تخلّي غير معلن عما اعتمدته دولة الاستقلال من تعليم عمومي شامل ومجاني وفيه عدم جدية في التكوين والانتداب للمدرسين أمّا مسؤولية الاولياء فهي في تعويد ابنائهم منذ الإبتدائي على « ليتيد » (الدروس الخصوصية) فيقل الاهتمام في الفصل ويعوّل التلميذ عما سيتلقاه خارج الحصص الرسمية مبشارة من معلمه أواستاذه

والعامل الثالث والأهم في تقديري في استشراء ظاهرة الدروس الخصوصية هو المدرّس. وليسامحني زملائي معلمين واساتذة أصحاب الضمائر الحية أن أذكّر بهذه الحقائق .هنالك خراب شبه شامل للضمائر مسّ كل المهن ومنها مهنة التعليم وأضحى نهم الربح و تدبير الراس هو القاعدة .فكيف لمعلّم منذ الاسبوع الأول من الدراسة أن يطلب من تلميذه أن يلتحق بدروسه الخاصة في داره او في قراج يكتريه ليتدارك؟ أي ضمير هذا؟ و كيف لأستاذ يضيّع ساعة الدرس في مالا يعني أو يقرأ جريدة ويطالب تلاميذه لاستيعاب الدرس الالتحاق بدروسه الخصوصية؟ ومنهم من يقدم دروسه ليلا وحتى بعد نصف الليل في موسم الامتحانات؟ هل التلميذ التونسي ابن سنوات الألفين هو أقل ذكاء من تلميذ الستينات او السبعينات لكي لا يستوعب درسا كان رفاقه يستوعبونه قبل ذلك؟ ثم مالا يعترف به « زملاؤنا » انه حتى بداية الثمانينات كان المعلم والاستاذ يدرس حوالي 30 ساعة وكانت الأقسام تضم أكثر من 35 تلميذا !! وليس 15 او 20 ساعة التي هم مطالبون بها الآن. وحتى التلاميذ الذين يستحقون الدعم كان مدرسوهم يقدمون لهم الدعم دون مقابل و احيانا في الأحاد و في العطل…ذاك زمن و هذا زمن…كان رجل التعليم يحمل مسؤولية بناء وطن اما الآن فالمخرجات أخرى و الضمائر أخرى …أعرف أن هذا الكلام سيغضب الكثيرين وخاصة من وضعوا أنفسهم حماة للرداءة والفساد ويساهمون في القضاء على المدرسة العمومية وارغام الأولياء على الفرار بأبنائهم للتعليم الخاص…وكل وطن يبنيه أبناؤه أو يخربونه هم…وعلى الدنيا السلام

الأستاذ عميره عليّه الصغيّر

* ملاحظة: الدروس الخصوصية لحقت حتى المؤسسات الجامعية