الخروج من النفق

عاشت العديد من الدول والشعوب في العالم أزمات تفوق خطورتها وآلامها بمرات خطورة الأزمة التي تمر بها بلادنا حاليا. وعندما ننظر في تجارب هذه البلدان في كيفية إدارة أزماتها وكيفية خروجها منها فإننا نبحث عن أمل جديد لم نعثر عليها في هذا الواقع المتأزم الذي تعيشه بلادنا بقدر ما نبحث عن مرجع يمكن الاستفادة منه في بناء تصورات لحلول ممكنة. فرواندا التي عرفت حربا أهلية طاحنة استمرت 100 يوم راح ضحيتها ما يناهز مليون نسمة، وعندما أطلق رئيسها بول كيغامي المصالحة الوطنية استطاعت رواندا بدءا سنة 2000 أن تحقق نموّا اقتصاديا معدله من أقضل المعدلات في العالم إذ بلغ ما يناهز 8بالمائة لتصبح رواندا في ظرف سنوات قليلة من أقوى اقتصاديات إفريقيا ولتحتل المركز الثاني والعشرين عالميا في ريادة الأعمال ولتصنف منذ 2016 الدولة الأكثر جذبا لرجال الأعمال وللاستثمارات بإفريقيا

والسؤال المطروح هو كيف وبفضل من وماذا حققت رواندا ما حققته؟

كان لرئيسها ولمن اختارهم في حكومته دور هام في هذه الإنجازات، فقد بدؤوا بإصلاحات قانونية اعتمدها جهاز قضائي مستقل ومناهض للفساد بدوره كان لهما أثر كبير في القضاء على الفساد ، ولنا في هذا الشأن أن نتساءل ونسائل رئيس جمهوريتنا عن إنجازاته وهو الذي انتخب بنسبة عالية من الأصوات لأنه قدم نفسه إلى الشعب التونسي بصفته محاربا للفساد ، نتساءل لماذا لم يستثمر رئيس دولتنا الرصيد الذي اقترن بصورته في بدايات انتخابه بوصفه الرئيس النزيه وغير القابل للفساد. أما المعطى الثاني الذي رآه المراقبون سببا للنقلة التي حققتها رواندا فهو المراهنة في إدارة الدولة على شباب عالي الكفاءات وبعيد عن الفساد وهذا يفتح أمامنا بابا من الأمل عندما نعرف حقيقة الكفاءات الشابة التونسية التي ظلت مستبعدة عن إدارة الدولة والحال أن رئيسها جاء إلى السلطة بفضل الشباب أولا وأعلن بنفسه أنه يراهن على هذا الشباب فلماذا ظل إلى الآن مستبعدا ولا نرى في مواقع السلطة والقرار سوى أشخاص استنفدوا كل إمكانيات الإضافة وبعضهم ثبت فشلهم في المسؤوليات التي تقلدوها؟

أما العامل الثالث فكان المراهنة على الموارد الخاصة، بعيدا عن الارتهان للممولين ولشروطهم المجحفة، لقد راهنت رواندا على الفلاحة أولا حتى أصبحت تساهم بأزيد من الثلث في الناتج الإجمالي الخام واستقطبت أعدادا كبيرة من العاطلين عن العمل، ولنا أن نتساءل في هذا الشأن عن جدوى البحث في الخارج عمن يستثمر الأراضي التونسية الخصبة والمهملة مع ما يمكن أن يجره ذلك من مشكلات إضافية والحال أن الحل ممكن ومتاح لو تم توزيع تلك الأراضي بشروط ميسرة على العائلات لتشتغل فيها فتحولها إلى راض منتجة توفر موارد عيش قارة من جهة وتمكن من تسديد ثمن تلك الأراضي فتتملكها إذا أحسنت استثمارها من جهة أخرى؟ ألا يمثل هذا حلا جذريا لمشكلة البطالة أيضا؟ ولكن هذا الحل يظل مرهونا من جهة أخرى بتغيير العقليات. إذ يحز في النفس أن نسمع في هذه الفترة شكوى الفلاحين من قلة اليد العاملة الفلاحية مما هدّد صابات الأشجار المثمرة بالضياع بينما الآلاف من الشبان والكهول عاطلون عن العمل ولا يرضون بهذا العمل. إن التجربة التي اعتمدناها تمكنت في ظرف سنوات قليلة من توظيف ما يقدر بـ 37 % من القوى العاملة في المدينة، في الأنشطة الزراعية الصغيرة

ولهذا يبدو هذا الحل مرتبطا بمجال آخر هو التعليم الذي ستوجب الإصلاح، وهو ما قامت به رواندا أيضا وكان أحد أسباب نقلتها، نحو التكوين في القطاعات التشغيلية الاستراتيجية مثل الفلاحة والصناعات التحويلية الفلاحية التي تمكن من إحكام التصرف في المنتوج الفلاحي وتحويله بدل أن تذهب صابات بأكملها هدرا نتيجة سوء التصرف فيها والعجز عن استيعابها، وفي الصناعات التكنولوجية الجديدة

إن أمام بلادنا أكثر من إمكانية للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة لو عرفت كيف تستثمر إمكاناتها الذاتية الاستثمار الجيد والمحوكم ، وكيف تعيد تشغيل قطاعات الإنتاج التي تعطلت أو عطلت لسبب أو آخر مثل قطاع الفسفاط والصناعات الكيميائة، وقطاع النسيج وقطاع السياحة ، وهي تزخر بالكفاءات البشرية الشابة التي وإن دفع الإهمال والبطالة بعضها إلى ترك بلادها لتبرهن على كفاءاتها في بلدان أخرى فإن من بقي منهم بتونس قادر في الحقيقة على تحويل تونس إلى قطب تكنولوجي في مجال الصناعات الرقمية والتكنولوجية. ولكن حتى تتمكن تونس وشعبها من ذلك عليها أن تعرف كيف تواجه عقبتين تقفان أمام كل إمكانيات الحل: العقبة السياسية التي تعود إلى ثبات فشل الطبقة السياسية في إدارة البلاد فشلا ذريعا وتورط أطراف منها في الفساد إما بالصمت عليه والتغطية على الفاسدين أو بالتورط فيه بشكل مباشر، فضلا عن فشلها في بناء علاقات سياسية صحية فيما بينها مما ساهم في مزيد توتير الأوضاع وتهديد السلم الاجتماعي ، وتجاوز هذه العقبة غير ممكن في اللحظة الراهنة إلا بانتخابات سابقة لأوانها تقطع فيها الغالبية من التونسيين مع كل الطبقة السياسية الحاكمة خلال العشر سنوات الأخيرة ومع كل المتورطين في الفساد، أما العقبة الثانية فهي اجتماعية وذهنية كذلك وتتمثل في مختلف مظاهر الكسل والانصراف عن العمل وعن الاجتهاد والتواكل والبحث عن طرق « سهلة » لحل المشكلات المعيشية والتخلي عن المسؤولية العمومية إزاء البلاد وإزاء المجتمع

بقلم زهية جويرو