في الشأن العام دائما
وأنا في طريق العودة إلى المنزل، كانت قارعة الطريق ملأى ببائعي الجلبّان يعلنون أسعارا زهيدة، فالكيلو بدينار، توقّفت عند كدس جلبّانيّ أخضر لمّاع، ومع أنّي لست جلبّانيّ الأكل، والعائلة كذلك، أقنعت نفسي بالشراء تبرّكا بالحكومة الجديدة، وتفاؤلا بها، ربّما كان العام أخضر، طلبت كيلوين، غير أنّي تذكّرت عيني رئيس الحكومة المائلتين إلى الاخضرار فرفّعت في الطلب بكيلويْن آخريْن، واستحضرت تونس الخضراء، فضاعفت الطلب والبائع ينظر إليّ ينتظر استقرار أمري، وزن الثمانية، سلّمته عشرة دنانير، تلكّأ في إرجاع الدينارين مقترحا عليّ زيادة كيلوين لنغلق العشرة، قبلت لتذكّري قولة جدّتي رحمة الله عليها « زيادة الخير ما فيها ندامة ».
وضعت الكيلوات العشرة في صندوق السيارة التي سارت بطيئة هادئة حتّى رأيت بائعا آخر، جلبّانه يلمع وصوته يُسمع، وكدسه يعلن نفسه، فانتابني شعور أنّي لم أوف الحكومة الجديدة حقّها، حكومة كاملة تستأهل أكثر من عشرة كيلو خاصّة أنّ السعر قد انخفض ولم تمرّ إلاّ ليلة واحدة على إعلان التشكيلة وجيبي معمّر براتب فيفري، والأخلاق قبل كلّ شيء، نزلت من السيارة، وتوجّهت إلى البائع أمشي ملكا، طلبت خمسة كيلوات أخريات، أشار عليّ البائع بـ »القناريّة »، فرفضت رغم قناعتي ألاّ مرَق جلبّان دون « قنّاريّة » تماما كما لا حكومة دون حزام سياسيّ، عدت أتبختر وقد زادت وطنيّتي وارتفع منسوب تفاؤلي بالحكومة، رميت بالكيس في الصندوق، وسارت السيّارة منتشية وقد رضيتْ عنّي وهي تحمل خمسة عشر كيلو جلبّانا، تقريبا نصف الحكومة
عنّ لي أن أتوقّف من جديد لأضع كيسي الجلبّان حذوي على الكرسيّ الأماميّ بما يشرّف الحكومة، فمن العيب وضعها في الصندوق كما الرضّع في كرذونة، الحمد لله، ثمّة أخلاق تحكمنا، خطر لي كذلك حفاظا على ألاّ تسقط الحكومة أن أشدّها بحزام الأمان، وحاولت السير ببطء خشية على حكومتي من حُفر الطريق ومخفّضات السرعة
كنت أقاوم حتّى لا أشتري الجلبّان من جديد والباعة على قارعة الطريق ممّا لا يعدّ، انتهى طابور الباعة، حمدت الله على انتهاء جنون الجلبّان وقد كنت أفكّر في مبرّرات الشراء التي أقنع بها زوجتي حتى أجتنب » الطلاق للجلبّان » أقصد للضرر حتّى وجدتني أتوقّف لشراء الخبز، فإذا بائع جلبّان جوار المخبزة، يا الله ! اتّجهت نحوه لا ألوي على شيء، فقد تذكّرت أنّ أعضاء الحكومة اثنان وثلاثون، فطلبت سبعة عشر كيلو أمام بهتة البائع الذي أدهشه العدد، همّ أن يجعلها عشرين، رفضت، فالدقّة مطلوبة هذه المرّة، واللعب بعدد أعضاء الحكومة مرفوض، تحاملت على نفسي وأنا أحمل بلطف الجزء الأكبر من الحكومة في كيس خشية أن يسقط، وضعته بهيبة في المقعد الأماميّ مع بقيّة الأعضاء، ثمّ رجعت أهرول للبائع أطلب ثلاث ربطات ّقناريّةّ، (تسعة رؤوس)، فقد رأيت أن أخصّ الحزب الأوّل في البرلمان برؤوس القنارية التسعة، سبعة لأعضائه في الحكومة، وإثنان لذوي القربى منهم
الدكتور توفيق العلوي