يتساءل الجاحظ المعلّم الأول للفكر والأدب أستاذ الجميع بما في ذلك عياض بن عاشور في رسالة الحاسد والمحسود متسائلا عن الحسد : ولِم صار في العلماء أكثر منه في الجهلاء؟ ولِم كثر في الأقرباء وقلّ في البعداء؟ وكيف دبّ في الصالحين أكثر منه في الفاسقين؟
عياض بن عاشور الذي يقدّم نفسه باعتباره العالم الجهبذ الذي لا أحد مثله يفقه في القانون الدستوري يتهم قيّس سعيّد بالانقلاب وبخرق الدستور ويشنّ عليه من بوق إعلامي إلى آخر حملة تنديد يكاد يتهمه فيها بالخيانة العظمى. ما يحرّك عياض بن عاشور ليس الغيرة على الوطن، فإذا كان الأمر كذلك لتكلّم منذ مدّة بنفس الحماسة عندما كان يرى بأمّ عينيه كيف تتهاوى البلاد إلى الحضيض. ما يحرّكه في الحقيقة هو الحسد – عافاكم الله منه- وما أكثره في العلماء وأقلّه في الجهلاء كما يقول الجاحظ والأبشيهي كذلك في » المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ». أنا و أعوذ بالله من كلمة أنا أستاذ جامعي مند 25 سنة وأعرف حق المعرفة بالتجربة وبالعيان كيف يفكّر بعض الأساتذة « الكبار « في الجامعة – ليس كلّهم من حسن الحظّ- الذين ينظرون إلى زملاتئهم الأساتذة المساعدين من عليائهم متناسين أنّه في بعض الأحيان يوجد في النهر ما لا يٌوجد في البحر . عياض بن عاشور أستاذ تعليم عال في أعلى رتبة علاوة على أنّه يعتقد أنّه من » قعر الخابية » بدا وكأنّه كان ينظر لسنوات طويلة إلى قيس سعيّد أنّه مجرّد مساعد في الجامعة فساءه أن يراه رئيسا للجمهوريّة ومن ثمّة رئيسه مثله في ذلك مثل كل التونسيين .قِيل والله أعلم أنّ عياض بن عاشور كان أستاذ قيّس سعيّد في كلية الحقوق – وهذا ما زاد الطينة بلّة في صدر عياض و أجّج الحسد في فؤاده- ساءه أن يرى تلميذه رئيسه في حين كان من المفترض أن يفتخر بذلك متناسيا أو جاهلا ونحن رجال تعليم أنّ أفضل هديّة في مسارنا المهني هو أن ينجح طلبتنا أكثر منّا ويفوفوننا علما وإشعاعا ونجاحا في الحياة لأنّ بكلّ بساطة ذلك هو الدليل الأكبر على نجاحنا ، لكن هيهات أن يفهم عياض ذلك
لست مختصا في القانون الدستوري ولست فقيها فيه ولكن حسب قراءاتي لثلاثة العقود في البنيوية والشكلانية و الابستمولوجيا التي لها علاقة وثيقة بالعلوم الإنسانيّة جميعها بما في ذلك علم القانون- هذا إذا ما أردنا أن نبحث لمبرّر علمي لموقف الرجل الذي يشاطره فيه بعض أساتذة القانون الآخرين وليس كلّهم بالطبع واستبعدنا العامل الذاتي الذي نرجّحه- فعياض بن عاشور شكلاني ينظر إلى القانون والدستور خارج السياق التاريخي تماما مثل عالم اللغة الذي ينظر إلى الكلمات في معانيها المعجميّة الصنميّة الثابتة بمعزل عن الاستعمال اليومي، أي اللغة وهي تنزل من عليائها لتنطق بالحياة في حيويتها وصيرورتها. لم ينظر عياض للقانون والدستور وهو يُستعمل وسيلة لقهرنا وإذلالنا و إفلاسنا وتحويل برلامننا إلى حلبة مصارعة وملاكمة وتهريج ، تحويلنا إلى دولة منكوبة تستجدي وتثير العطف والشفقة . هكذا كلّه لم يره عياض لأنّ الحسد أعمى بصيرته . أعتقد أنّ ما وقع كان لا بدّ أن يقع وأنّ ما فعله قيس سعيّد كان لربّما ينبغي فعله ،وهذا ما نعيبه عليه إذا كان لا بدّ من أن نبحث له عن عيب منذ مدّة طويلة حتّى لا نهدر كلّ هذا الوقت
لكن ثقتنا فيه لا ينبغي أن تكون صكّا على بياض هذه الثقة مشروظة بالطبع بالتزامه بدولة القاون والمؤسّسات .أكتب هذه الكلمات صادقا وعن تفكير عميق حسبما يمليه عليّ عقلي وضميري . أحترم كلّ رأي مخالف وملزم أخلاقيا للردّ عليه إذا صيغ بأسلوب محترم وجدّي. أمّا آراء الذين أعمت الايديولوجيا بصيرتهم ممن يعتقدون أنّ ما حدث انقلابا و لا يصيغون أفكارهم باحترام وليس في جعبتهم غير السبّ والشتم عندما تعوزهم الحجّة . فليس لي الوقت صراحة لإضاعته معهم : يسمعنا على بعضنا الخير . سأطردهم من صفحتي
الدكتور محمد جويلي