التسيّب التربوي إلى متى؟

نعيش هذه الأيّام عنفا لفظيّا و مادّيا متصاعدا صادرا من التّلميذ تجاه المؤسسة التربويّة في أبنائها و مربّيها و إدارتها و تجهيزاتها و امتدّت يد العدوان بالسبّ و الضرب و التّهشيم العلني المتبجّح في صمت مقرف من سلطة الإشراف و اعتراف مخجل بالعجز عن حسن مواجهة هذه الظاهرة المهدّدة بانقراض التربية و التّعليم في بلادنا. و لست أريد في هذا المجال الضيّق استعراض الأسباب و تحديد المسؤوليات فالمسؤوليّة جماعيّة و جميع الأطراف المعنيّة بالتربيّة مورّطة من إدارة و معلّمين و أولياء و مجتمع. و إنّما أريد أن أدعو وزارة التّربيّة باختصار شديد إلى أن تتدبّر قرارا واحدا هو قرار الزّجر و العقاب و أن تتولاّه بالتّقنين و التّطبيق. لقد كان التّلميذ، في أجيال خلتْ، إذا ثبت عليه الانحراف الأخلاقي و الإخلال بالواجبات المدرسيّة و تأكّد اليأس من صلاحه، يُعرّض نفسه لجملة من الإجراءات التصاعديّة التّي تصل إلى حدّ طرده من المؤسّسة الواحدة أو من جميع المؤسسات التّربويّة و لم تكن مجالس التربية و التّأديب تتّخذ مثل هذه القرارات عن طيب خاطر و لقد كانت واعية بأنّ الطّرد من المدرسة لا يُصلح بالضرورة الفسّاد من طالبي العلم و لكنّها كانت، بعزل الفاسدين، متأكّدة، على الأقل، من وقاية مجموع التّلاميذ من تفشّي الفوضى و انفلات الانضباط و التّهاون بالحرمة التربويّة و ليس من الحرج هنا أن نستحضر صورة القطيع أو صورة صندوق الطماطم نخشى عليه من عدوى العنصر الفاسد الواحد و إن كنّا مؤمنين الإيمان الرّاسخ بأنّ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص أو كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر و الحمّى على أن تتعهّد بالخليّة المريضة أجهزة تعالجها خارج القسم في الإصلاحيّات و التّكوين المهني و غيره. فكان العقاب، وهو يظلّ، الدّواء المرّ حيث لا علاج غيره و سامح الله النظام النوفمبري الذي اشترى بقطاع التّعليم ثمنا سياسيا خبيثا عندما أكره المدرسة على الاحتفاظ بمتشرذميها و شرّع لهم الارتقاء الآلي و البقاء في المؤسسة حتّى بلوغ سنّ الرّشد و لم يكن قرار النظام هذا بباعث المحبّة و المحافظة بل كان بدافع العجز عن احتواء المارقين من التلامذة احتواء نفسانيّا و أخلاقيّا و مهنيّا يُعيدهم من جديد عودة صحيحة إلى الحاضنة الاجتماعيّة
فإلى متى الاعتداء على التّلامذة و التّلميذات الطيّبين و الطّيبات بالضرب في الأقسام و في السّاحات و إلى متى الاعتداء على المعلّمين و المعلّمات و المديرين و المديرات بالكلام و الأيدي و إلى متى الاعتداء على المؤسسات التربويّة بالتّهشيم و التّكسير و هل بعد هذا من حرمة و هل بعد هذا من نشيد في تمجيد المدرسة و المدرّس و العلم و العلماء؟؟؟

الدكور الهادي جطلاوي