الأزمة تتفاقم مع استمرار المعركة بين القصور… كيف تستفيد تونس من الحراك الدبلوماسي؟

في صورة سريالية نادرة في العالم ربما بحكم سياقها، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد أمس الخميس 3 جوان 2021 الوزير الأول الفرنسي جون كاستكس ( الصورة أعلاه ) الذي يؤدي زيارة رسمية الى بلادنا في الوقت الذي لم يجتمع فيه ساكن قرطاج مع رئيس الحكومة التونسية منذ جانفي الماضي، وحتى اللقاء الأخير الذي تم في القصر الجمهوري بحضور وزير الدفاع كان برقيا وخاصا بالموقف من موضوع تطبيق القانون ومسألة الحصانة في علاقة حينها ببطاقة الجلب الصادرة عن القضاء العسكري ضد أحد النواب اضافة الى طلب طريف بشأن التعرف على مخرجات زيارة رئيس الحكومة الى الشقيقة ليبيا

وكما هو معلوم، فإن التواصل المباشر منعدم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب، وشحيح بين رأسي السلطة التنفيذية ذاتها ويكاد ينحصر في تبادل التحية عند سفر رئيس الجمهورية أي في المطار مثلما حصل أمس عند توجه قيس سعيد الى بروكسال

ويشارك الرئيس قيس سعيّد في أشغال القمّة الثانية تونس – الاتحاد الأوروبي ومن المقرر أن يلتقي خلال الزيارة بكل من رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضيّة الأوروبيّة ورئيس البرلمان الأوروبي وعدد من مسؤولي المؤسسات المالية وسيجري أيضا محادثة مع ملك بلجيكا

هكذا قدمت الصفحة الرسمية للرئاسة الزيارة ونزّلتها «في إطار مزيد ترسيخ العلاقات التاريخية بين تونس والاتحاد الأوروبي باعتباره شريكها الاقتصادي الأول وتعزيز مكتسبات التجربة الديمقراطية في تونس وتحقيق الإنعاش الاقتصادي عبر دفع التعاون في عدّة مجالات وخاصة منها خلق مواطن الشغل والبحث العلمي والتكنولوجي والاقتصاد الأخضر والطّاقات المتجدّدة»، وهذه هي نفس العناوين تقريبا لمجمل الزيارات التي قام بها ساكن قرطاج وكذلك ساكن القصبة الذي كان قبل ايام في البرتغال وليبيا وقطر

وفي غضون ذلك يتوافد على بلادنا «المسؤولون» من كل صوب وحدب والكل يتحدث عن تعزيز العلاقات الثنائية ودعم التجربة الديمقراطية في بلادنا وثمة من تعهد بكرم طائي بمد يد العون لمساعدتنا في الخروج من الازمة الاقتصادية ومجمل الصعوبات التي يرون أنها عادية في مسار انتقالي، وهنا لا مناص من العودة الى بديهيات العلاقات الدولية ومفهوم المصلحة المشتركة وكذلك اعتبارات الندية والسيادة واستقلال القرار وهل أن الجبهة الداخلية في تونس جاهزة للتفاوض على اساس هذه المسلّمات أم هي في موضع الفريسة التي يتربص بها صيادو المنفعة والصائدون في الماء العكر

للأسف، يرتفع منسوب الحراك الدبلوماسي بنفس سرعة وقوة الازمة التي تعصف بمنظومة الحكم و«العركة» بين القصور كما يقال، ويكفي العودة الى ما رافق زيارة رئيس الجمهورية الى فرنسا ومصر مثلا أو الزيارات العديدة لرئيس الحكومة أو زيارات رئيس البرلمان للخارج للوقوف على حدة الصراع بينهم وجنوح انصارهم و «ماكيناتهم» المتعاطفة معهم الى «التدافع» وتسجيل النقاط على حساب الوطن

ولا يمكن في هذا السياق تجاهل الاحراج الذي تُسببه مواقف قياديي الصف الاول في النهضة مثلا من زيارة رئيس الحكومة الاخيرة الى قطر حيث تعمدوا ترويج مخرجات الزيارة قبل وقوعها وظهر في النهاية انها مخرجات واهية وبالتالي لم يكن الامر سوى احراج للرجل واحراج للجهة المضيّفة وقصف غير مباشر دون فائدة ضد ساكن قرطاج والنتيجة التي أهملها الجميع هي الإضرار بصورة البلاد والاساءة اليها والتفويت في فرضية أو فرصة هامة لدعم حقيقي لتونس في أزمتها

إن الحال لم يعد قابلا للاستمرار بهذا الشكل في تقديرنا لما فيه من مجانبة للصواب والعقل والحكم الرشيد، ولا نريد التوقف كثيرا عند التفاصيل التي أتينا على بعضها في العديد من المناسبات فلا يعقل أن يسافر رئيس الحكومة ويعود بالسلامة ولا يتواصل مع رئيس الجمهورية ولا يعقل أن يسافر هذا الاخير لاستباق أو استكمال مهمة أو ملف دون العمل المشترك مع الرأس الثاني في السلطة التنفيذية حتى وإن كان التواصل غير المباشر قائما من خلال تواجد وزيرين محسوبين دستوريا على قرطاج أو التخفي وراء مقولة استمرار الدولة وهياكلها التسييرية فالشعب التونسي يحتاج الى رسالة الطمأنة في تطبيع العلاقات بين اركان منظومة الحكم، والخارج ايضا قد يستفيد من جبهة داخلية متأزمة لكنه يستفيد اكثر من دولة قوية ومتناغمة داخليا

لقد فوّت حكام تونس بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة في أكثر من فرصة للنهوض بالتجربة الديمقراطية في بلادنا والارتقاء بها الى مصاف الديمقراطيات العريقة علاوة على الانتصار للبعد الاجتماعي للدولة، فمرت الانتخابات بكل اصنافها دون جدوى، ودخلت جائزة نوبل للسلام طي النسيان دون استثمار واصبح الحكام الجدد يتهربون من «الحوار الوطني» وفشلت فوق كل ذلك العدالة الانتقالية واصبحت السيادة بكل أركانها مهددة بشكل لم نعهده حتى زمن الدكتاتورية والاستبداد كما يقول «ثوار اليوم»

كيف تستفيد تونس من كل هذا الزخم الدبلوماسي؟ سؤال صعب، والاجابة عنه اصعب، نتركها لسكان القصور الثلاثة ونقول لهم فقط تونس أمانة وجديرة بما هو أفضل

بقلم : مراد علالة