الخلاف و حتّى الاختلاف، هما، في منطق الأشياء، من الصفات السلبيّة و أفضل منهما الوفاق و الانسجام و المواءمة.. و لكنّ الأجداد، في الفقه خاصّة، نوّهوا بهما تنويها لا يخفى على أحد في قولتهم المأثورة : في الاختلاف بركة و في الاختلاف رحمة مرسّخين، منذ زمن بعيد، روح التعدّديّة و الديمقراطيّة. و لئن ساءنا اليوم الانشقاق بين « الأشقاء » في الخليج فنحن، سياسيّا، متمتّعون بما أفرزه الانشقاق، و لو إلى حين، من فضح الفرقاء بعضهم لمخطّطات بعضهم الجهنّميّة في سعيهم إلى فرض خارطة سياسية عربيّة جديدة بالحديد و النار يكون لهم فيها الريادة و الخلافة و لولا الشقاق ما كان الاختراق
و في هذا السياق فضحت بالأمس قناة العربيّة السعوديّة تواطؤ دويلة قطر مع الإسلام السياسي في تونس برأسه النهضاوي و بقيّة أذرعه الإسلامويّة في إشعال نار الفتنة و التعاون في إرساء دولة الخلافة السادسة في داخل البلاد التونسيّة و خارجها. أمّا داخل البلاد فيتمثّل، لو يتذكّر التونسيون، في إنكار مقوّمات السيادة و الاستقلال للجمهوريّة و الدّعاية للخلافة بالتشكيك في اسم البلاد و هوّيتها و رقعتها و علمها و ثقافتها و تهييئة العقول و النفوس لاستقبال الخلافة و تقبّلها. و أمّا خارج البلاد فيكون بضخّ الأموال السخيّة لانتداب المرتزقة من الصعاليك و البطّالة و روّاد الخمّارات و أصحاب النفوس الضعيفة و تسفيرهم و تدريبهم و إلحاقهم بأتون المعركة في سوريا و العراق حيث مركز الخلافة و منه اتّساعها و انتشارها فإذا وصلت إلى تونس احتضنها الإسلام السياسيّ و نفّذ إرادتها فيها
لقد كان مشروع الخلافة في بداياته مشروعا سرّيا و وجب أن تدور عجلة الزمان حتّى يدرك التونسيون شيئا فشيئا حقيقة ما بيّته الإسلاميون بليل في المساجد و الاجتماعات السرّية و يتفطّنوا إلى توزيع الأدوار و المسؤوليات في تحقيق المهمّة. و إلى عهد قريب كانت التّهمة متأكّدة و كانت الأدلّة ضعيفة لا سيّما و أنّ النهضة المصرّة على المشاركة في الحكم تسعى جاهدة إلى طمس الحقيقة و مسح آثار المؤامرة على بلادنا كلّما قام دليل على ممارسات إداريّة في أموال مشبوهة أو تسفير أو تدريب الخ
أمّا اليوم، و بفضل الوعي الدولي، تدريجيا، بخطر المشروع و بفضل الخلاف الخليجي، جاء الاعتراف من أهلهم بما جنت به أيديهم علينا و ما تلوّثت به أيدي الإسلامويين في بلادنا. و سيأتينا الغد القريب بمزيد من الحجج المثبتة للتهمة و ستنكشف في بلادنا خيوط المؤامرة بتفاصيلها ممّا لن يدع مجالا للشكّ بأنّ الإسلام السياسيّ لا صلة له بالدين و لا صلة له بالإسلام و إنّما هو مشروع سياسيّ دنيء يرمي إلى شكل جديد من أشكال الاستعمار و ذلك باغتصاب السلطة بواسطة السلاح على الأسلوب الداعشيّ وهو مشروع واسع قد أحاط نفسه بأوفر حظوظ النجاح إذ هو ينعم بموافقة دبلوماسيّة أمريكيّة منذ عهد « البوشين » و ينعم بدعم تمويليّ خليجيّ كبير و بدعم إيديولوجيّ إخوانيّ و بدعم سياسيّ هو غطاء الربيع العربيّ الذي استباح حدود كل الدول العربيّة باسم مقاومة الدكتاتوريات العربيّة
اليوم على نفسها و على أهلها جنت براقش وانقلب السّحر على السّاحر و انتزعت ورقة التوت و دُقّ مسمار آخر في نعش الإسلامويين فقد لعب الإسلامويون لعبة خاسرة و لم يعد لهم من مجال للتورية و للمرواغة ولم يعد لهم من بدّ إلاّ أن يحاسبوا على فترة حكمهم فيما قضّوها و أن يعتذروا و أن ينسحبوا و إلاّ بقي للتونسيين قرار سحبهم سحبا ديمقراطيّا حضاريّا في صناديق الاقتراع و إلاّ فعلى الدنيا العفاء
بقلم الدكتور الهادي جطلاوي