احتفلت أسرة في المنستير ببلوغ فتيات خمس من أفرادها وأقامت لهن حفلة يسميها الأتراك « حفلة تكليف » ويسميّها المشارقة والتونسيون

زينب التوجاني
« حفلة حجابي ». وأعلن مندوب الطفولة بالمنستير أن الأمر عائلي ولذلك فلا ضرر على الفتيات وأن الجد أقام لهن حفلة خاصة احتفالا ببلوغهن. وردا على احتجاجات بعض القوى المدنية التي رأت في ذلك شكلا من أشكال الاعتداء على الطفولة، أقام إمام جامع التوبة بالمنستير المدعو بالشيخ بشير ( الصورة أعلاه ) خطبة الجمعة ليوم 25 جوان وخصصها للحديث عن هذه الحادثة بالذات مستخدما خطابا تكفيريا وظلاميا ومغلقا
والسؤال الآن يتعلق بأمرين اثنين: الأمر الأول هل الطفولة شأن عائلي؟ وهل العائلة شأن شخصي؟ وهذا السؤال يحملنا إلى الإشكال الثاني: ماذا لو كنا في عائلة من طبقة اقلّ ومن نوع ثان تتوخى العنف لا الإقناع وليس لديها موارد لإقامة حفلة باذخة لبلوغ الفتيات سن الحيض « الرشد » ؟ فما الذي يضمن عدم حصول عنف للفتيات وعدم حصول إكراه على وضع الحجاب؟ ولا يشعر الغنوشي طبعا بالمسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن هذا الوضع، أولا المباشرة لان تصفح صفحات الفايسبوك الخاصة بهذه العائلة يكشف انتماءها لحزب حركة النهضة فهي إذن ممارسات أعضاء هذه الحركة، وغير المباشرة لأن الغنوشي هو زعيم هذا الاتجاه الإسلامي وهو الذي كتب كتبا ليضبط فيها منزلة الأخت في المجتمع الإسلامي وليربط بين الحيض والحجاب والتكليف الشرعي ولجعل الحجاب رمزا سياسيا وحاملا لقيم الاتجاه الإسلامي باعتباره حركة صحوية غرضها الوصول إلى السلطة لبناء امة الخلافة المنشودة
يزعم الغنوشي أنه قدم مراجعات وأنه حركة مدنية لكنه لا يفعل شيئا ليقدم لقواعده قيما جديدة تفك الارتباط بين جسد البنت الصغيرة والشريعة الاسلامية بل هو يفعل كل ما بوسعه ليدعم هذه القيم السياسية التي تهدف إلى بناء جيش من حاملي مشروع أمة الخلافة الإسلامية. والغنوشي ينتمي لبرجوازية إسلامية فاعلة وهؤلاء الفتيات حظين بالاحتفال على الطريقة الآتية من تركيا الاردوغانية ومن المشرق وهي طريقة في جوهرها خاضعة لاقتصاد السوق وللعولمة حيث تنصب في قلب الطاولة كعكة مرطبات إما على شكل دمية محجبة أو تكتب على الكعكعة شعارات مثل حجابي عفتي أو حفلة تكليفي أو حفلة حجابي الخ
ويمكن القول هنا وبغض النظر عن موقفنا من تحجيب الفتيات القصري بشكل معكوس متى سيستفيق المجتمع التونسي على ممارسات هذه البورجوازية التي تستغل أموالها المتدفقة لتنشر في العائلات قيما سياسية تزيد في تقسيم المجتمع وتفتيته تحت مسميات العفة والشرف والشريعة، فمن جهة هن صاحبات العفة وغيرهن من غير واضعات الحجاب غير عفيفات؟ ومن جهة هن المكلفات شرعيا وغيرهن تاركات للتكليف؟ ومن جهة هن ينتمين للفئة الناجية وغيرهن من اللواتي سيعلقن من رموشهن في النار عقابا على عريهن وسفورهن؟
وماذا عن العائلات الفقيرة والمعدمة التي لا يمكنها إقامة حفلة حجاب لفتياتها ولكنها أصيبت بعدوى الإيديولوجية واقتنعت بارتباط الدياثة بأجساد البنات البالغات؟ هل سيطبق عليهن الحديث الخاص بالضرب والتأديب؟
إنّ على الغنوشي أن يعتذر لا للنخبة التي ينتظر هو منها الاعتذار لأنها لا تقدر تضحيات النهضة المزعومة من اجل الحريات والديمقراطية ولكن عليه أن يعتذر للبنات اللواتي يضربن كل يوم بسبب إيديولوجيته وعليه أن يعتذر لهذا المسرح الرديء القادم من حلفائه في حركة الإخوان المسلمين في كل بقاع العالم الذين علموا ما في تحجيب البنت من ألم فحولوا ذلك إلى حفلة ظاهرها الفرح وباطنه يعلمه النساء فيعترف بعضهن وينكر أخريات ذلك ولكن الجميع يقر أن البنات يصعب عليهن تغطية شعورهن وأن ذلك أمر مخالف للطبيعة ولذلك يستخدمون حججا دينية وآيات قرآنية وأحاديث نبوية ومرطبات وموسيقى وملابس وديكور وحلوى لتحبيب الحجاب لهن ولإقناعهن به ولكن كل ذلك يندرج ضمن إستراتيجية ممارسة سلطة عليهن تُمرر عبر الحلوى كالسم في الدسم
فيا راشد الغنوشي من يعتذر لمن؟ وكم عليك أن تعتذر؟
بقلم زينب التوجاني