إلى راشد الغنوشي: لقد فاتك القطار يا سيدي المرشد

هل قرأت بيان « تصحيح المسار » الذي يطالب بحل المكتب التنفيذي لحزبك والذي أمضاه مائة وثلاثون من بين نواب وقادة وشباب الحركة؟ تتالى لك الرسائل لتنسجب في سلام وتترك التونسيين وشأنهم ولكنك لا تفعل وتتمسك بإضرام الصراع للرمق الأخير. وها قد دعوت شباب النهضة للتظاهر أمام البرلمان لحماية « الديمقراطية »، وها قد دعوتهم لكسر أغلال البرلمان، ها قد أجابوك بالرفض والتمرد وأخبروك أنهم ليسوا مستعدين بعد اليوم للموت في سبيل مجدك الشّخصي، وهل ظننت أن شبابا تفتّحت عيونهم على عشريّة حامية الوطيس يمكن أن يقدموا دماءهم فداء لك؟

استدعيتَ خطاب العنف وتهييج الشارع وتأليب المواطنين ضد بعضهم غير آبه بمصالح الشعب ولا غرض لك سوى ترضية حلفائك وتنظيمك العالمي لحفظ تموقعك ومصالحك الشخصية على حساب حتى قواعدك التي تريد تحويلها إلى وقود لحرب أهلية. فلم لم تأت بعائلتك وأصهارك ليدافعوا عن الديمقراطية لو كنت من الصادقين؟

هل اعتقدت ان هؤلاء الشباب هم من طينة أولئك الذين من جيلك وقد غررت بهم في السابق؟ أولئك الذين في سبعينات القرن الماضي كانوا ينحدرون من طبقات فقيرة ومتوسطة وفجأة جاء الاستقلال وانتشرت المدارس وانتشر التعليم فإذا بهم يحظون بتعليم متوسط ويجدون أنفسهم يواجهون بلدا في طور البناء فينخرطون في عملية التغيير الاجتماعي ببداوتهم وبساطتهم وريفيتهم وتأتي أنت بأفكارك المظلمة عن امة الخلافة تزرعها في عقولهم التي لم يحصنها فكر عميق ولا تحديث اقتصادي جيد ولا ظروف سياسية كريمة تحفظ الإنسان وكرامته فسكنت عقولهم وحولتهم إلى قطيع يأتمر بأوامرك حتى أنهم قدسوك وصاروا ينقلون أنهم حين يزروهم الغنوشي متنكرا في برنسه ليلتقي الإخوة ويتعاقد معهم ويبايعوه فكأنهم رأوا نورا من الله، هل تذكر تلك الهيبة والقداسة يا سيدي الرئيس المجمد؟

واليومَ تظن شباب النهضة الذي كبر في شظف من العيش وحرقة وألم ورأى أوضاعه في بلاده تزداد سوء وانهيارا تظن أن هؤلاء يقدسونك كما قدسك الجيل الأول من قواعدك؟ ونسيت أثر التدافع اليومي في المجتمع وفي الجامعات والمعاهد والملاعب والمظاهرات وفضاءات التواصل الاجتماعي، ونسيت أنهم شباب لزمن غير زمنك ولهم طوح كبقية الشباب أن يزيحك وأن يأخذ عنك المشعل ونسيت أنك لم تعط لهؤلاء شيئا حتى يعطوك أرواحهم فداء لك. وحتى شعار الديمقراطية الذي رفعته فهو لا يحرك أحدا من قواعدك الحديثة العهد، ذلك أن حزبا دينيا مبني على حاكمية القرآن والخلاص الأخروي وبعض المفاهيم المطلقة الكبرى كالإيمان بالحساب الأخروي والتضحية في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق ونصرة الإسلام والعمل من أجل صالح الأمة، إن هذا الخطاب يا سيدي المرشد الذي صنعت به نسيج الإخوة داخل حركتك لا يمكن أن يتوافق مع شعار نصرة الديمقراطية، وخاصة أن هؤلاء الشباب يعلمون جيدا أن السياق اليوم لا يهدد تدينهم في شيء، فقيس سعيد ليس أقلّ استخداما للخطاب الديني منك، ها هو يصلي ويصوم ويقسم أنه يعمل لأجل مرضاة ربه وضميره الديني ويرفع مثلك تماما خطابا دينيا ويظهر مثلك تماما في ثوب الورع الأمين وهو يتشبه بالخلفاء الراشدين ويحمل شعار عدل الراعي ورمزية عمر بن الخطاب، ولعله افتك منك بساط الملعب الديني يا راشد الغنوشي فصار عند شبابك المتدين أكثر نصاعة لما في شخصيته وخطابه من التحفظ والاقتضاب

لقد دفعت بآلاف الشباب المسكين إلى محرقة داعش ولم ترأف بهم إناثا وذكورا لأجل مصالحك الشخصية ومجدك وهكذا فقد سُحبت منك شرعية الموت لأجل الإسلام فالإسلام ليس في خطر كما يرى الجميع، ولا يمكن أن تخوف النساء بأنهن سيكشف شعورهن ولا الشباب بأنه ستًحلق لحيهن كما كنت تفعل وكما كان يحدث في زمن بن علي مما فيه اهانة لكرامة الإنسان. اليومَ يمكن لكل مواطن أن يطلق لحيته كما يشاء ويغطي أو يكشف شعره كما يشاء ويصلي الفجر وقتما شاء ويصوم ويدفع الصدقات وقتما شاء، فالإسلام بخير يا سيدي وأما الديمقراطية ففضلا عن كونها شعارا دخيلا على الإخوان فأولى بك التقيد بها وضرب المثل والتخلي عن منصبك أولا ومتى صرت تتحدث عن الديمقراطية كسياسة حزبية؟ في سنة 2016؟ ها قد رفعها أبناؤك شعارا لإزاحتك بعد أن صاروا لا يقدسون مرشدا ولا يرون فيك نورا سماويا كما كان الجيل الأول ممن صنعتهم ليكونوا لك تابعين. هل تحسب فعلا أن هؤلاء الشباب الذين أرهقهم الوباء واليأس من العمل والعنف المتزايد في البرلمان سينصتون إلى بكائيتك لصالح تنظيمك العالمي الذي قطعت عروقه بعد 25 جويلية؟

أعذرك يا سيدي فلديك مهمة ترتبط بالحفاظ على مصالح إقليمية في تونس وغرس مسامير في خاصرة التونسيين تتعلق بشبكة عالمية مترابطة فيها مصالح مالية كبرى، وليس أقل تلك المصالح ذلك الصندوق الذي صادقت عليه والذي من شأنه أن يحول فكر وتنمية البلاد الثقافية إلى رماد لو تم له التطبيق في بلادنا، لقد بالغت في النرجسية ولم تر رفض التونسيين والشباب لمشروعك الخفي الذي تزينه بالديمقراطية بهتانا ولذلك تجرأت أن تهدد التونسيين بنفس السيناريو التركي وهددت حتى الشعوب الأوروبية رافعا في وجه الجميع خطاب العنف والوعيد، ولكن فاتك القطار يا سيدي رئيس البرلمان المجمد فقد انفض من حولك القادة الذين سئموا دكتاتوريتك لأنها تحجب توقهم لأخذ الضوء منك، وانفض من حولك الشباب الذين صافحتهم وسعيت منذ 2012 لتدريبهم وتكوينهم وحضور اجتماعاتهم ومخيماتهم وندواتهم وها قد تركوك وحيدا في المحطة الأخيرة

لن تلومهم يا سيدي المرشد، فهم شباب يريدون التخلص من أبيهم الذي عرقل خروجهم للضوء لكنك لم تفهم لا درس التاريخ ولا درس الجغرافيا ولا درس الديمقراطية داخل حركتك فلماذا ترفع الشيء وضده وتظن أنك ستلحق بالقطار؟ ها قد ضاعت عليك فرصة أخيرة، أن تنسحب في سلام وسكينة. أنت الذي صنعت من هشاشة الناس مجموعة عقائدية صلبة ومنغلقة وأنت الذي كونت مئات الأخوان والأخوات وأنت الذي تركتهم للسجون والمنافي والتعذيب والتنكيل والهرسلة والجوع والتشرد أيام بن علي وحتى أيام بورقيبة، أنت الذي فررت إلى لندن وعلمت بناتك وأحطت بهن وجعلت منهن ما هن عليه وعشت في رفاه الغرب في حين لاحق النظام الضحايا الذين ألقيت بهم لأجل مجدك الشخصي. كفى الآن يا راشد الغنوشي افهم أنك خسرت كل شيء، قلت لك سابقا أنك ستنتهي لا إسلاميا ولا ديمقراطيا فلتتركنا في سلام، اجلس في المحطة واملأ عينيك بما حولك وخذ نفسا عميقا لمرة في حياتك لترى حقيقة الخراب الذي حولك والذي ساهمت في صناعته وافهم أن ما تسعى إليه من مجد شخصي صار سرابا ومحض خيال

بقلم زينب التوجاني