أي « 17 ديسمبر » ينتظرنا؟

بقي التونسيّون يحتفلون يوم 25 جويلية من كل عام بعيد الجمهورية طيلة 64 سنة. ومنذ بضعة أشهر، لم يعد هذا التاريخ يُذكر إلّا للحديث عمّا قام به الرئيس قيس سعيّد من إجراءات

ليس هنا المجال لتقييم هذه الإجراءات. لكن علينا ألّا نتغافل مستقبلا عن الاحتفال، يوم 25 جويلية من كل سنة، بعيد الجمهورية حتى نتذكّر قيم الجمهورية، مرة في السنة على الأقل

أما عيد الثورة، فلا بدّ من التذكير بأن الاحتجاج على نظام بن علي بدأ يوم 4 جانفي 2008 عندما اندلعت انتفاضة الحوض المنجمي والتي دامت كامل سنة 2008، استشهد فيها من استشهد وذاق خلالها العشرات ويلات السجون، تلاها الاحتقان في كافة الأوساط السياسية والنقابية بمناسبة « انتخاب » بن علي سنة 2009 وحملة « المناشدة » التي كانت تهدف إلى رئاسته لعهدات رئاسية جديدة غير مشروعة. وكانت الحياة السياسية تتّسم سنة 2010 بالاختناق وقابلة للانفجار عند أول شرارة. فكان انتحار محمد البوعزيزي، رحمه الله، يُمثّل تلك الشرارة التي بنى عليها الشعب التونسي تحركاته الاحتجاجيّة التي بقيت تتصاعد يوما بعد يوم، إلى أن أتت المظاهرة التاريخية التي نظّمها اتحاد الشغل في صفاقس يوم 12 جانفي 2011، تلتها بعد يومين المظاهرة العارمة ليوم 14 جانفي 2011 التي أنهت حكم بن علي

بقي الشعب التونسي يحتفل بعيد الثورة يوم 14 جانفي من كل سنة منذ عشر سنوات، باعتبار أن ذلك التاريخ هو نهاية المطاف لتحركات شعبية وغضب متزايد منذ ثلاث سنوات. لكن الرئيس رأى غير ذلك وقرّر أن يُصبح يوم 17 ديسمبر عيدا للثورة، وهو بذلك يطمس النضالات التي قام بها الشعب قبل ذلك التاريخ وبعده

لست هنا بناكرٍ لفضل البوعزيزي، لكن انتحاره جاء في جوّ مشحون جدا بفضل نضالات آخرين قبله، كما أسس لمرحلة نضالات أخرى بعده. ولولا الأرضية المناسبة لاشتعال لهيب الثورة لاعتُبِر ذلك الانتحار حدثا عابرا. ألم يُسجّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 28 حالة ومحاولة انتحار خلال شهر نوفمبر الماضي فقط؟ ألم يُعلّق الرئيس قيس سعيّد على عملية الانتحار في مقر حركة النهضة بأن « شخصا أضرم النار في نفسه لأسباب تعنيه »؟

المهم الآن هو أن يوم 17 ديسمبر سيبقى عيد الثورة التونسية طالما أن الرئيس قيس سعيّد باقٍ في رئاسة الجمهورية، ولا أستبعد أن يتغيّر ذلك التاريخ بعده، إذا كانت لمن سيخلفه قراءة أخرى لأحداث تلك الفترة

في الأثناء، وكما استحوذت إجراءات الرئيس قيس سعيّد على عيد الجمهورية في 25 جويلية، فإن الإجراءات المُزمع اتّخاذها يوم 17 ديسمبر الجاري قد تُخفي هي أيضا « عيد الثورة » بالنظر إلى ما يُتوقّع أن تأتي به من قرارات. وسيُذكر دون شك هذا التاريخ بالسلب أو بالإيجاب حسب طبيعة القرارات والإجراءات التي سيحملها

كل المؤشرات تدلّ على أن يوم الجمعة القادم سيُمثّل منعرجا على غاية من الأهميّة في تاريخ تونس والتونسيين. وليس من باب الصدفة أن يُكثّف الرئيس أنشطته في الأيام القليلة الماضية مثل اجتماعه بأساتذة القانون الدستوري المعتادين (بلعيد وبن عيسى ومحفوظ)، أو اجتماعه بمجلس الأمن القومي، وحتى لقائه بالرئيس الفلسطيني وبالوزير الأول الجزائري، ممّا يدل على أن الإجراءات التي سيتمّ الإعلان عنها تخص المواطنين في الداخل كما تخصّ العلاقات الخارجية

المأمول من هذه القرارات هو أن تضع حدّا للمجهول الذي طال أكثر ممّا يُحتمل، وأن تسترجع الدولة التونسية سيادتها وهيبتها وسمعتها في الخارج، وأن يُوضع برنامج إصلاح شامل لمؤسسات الدولة بعيدا عن التشبّث بالرأي الواحد، وذلك باستشارة الكفاءات التونسية من مختلف المجالات دون استبعاد المعارضين لسياسة قرطاج، وبتشريك المنظمات الوطنية والمجتمع المدني، ولِمَ لا بتشريك الأحزاب التي لم تشارك في انهيار الدولة. على أن تتضمّن الإصلاحات الحلول الجذرية لمشاكل هيمنة الدين على السياسة ولمشاكل الفساد والبطالة والبيئة…، مع الأخذ في الاعتبار لقيم الجمهورية ومبادئ حقوق الإنسان والمساواة التامة بين المواطنين أمام القانون، بقطع النظر عن جنسهم، حتى نبني دولة مدنيّة مُتحضّرة

أما إذا جاء 17 ديسمبر حاملا لإضفاء الصبغة القانونية على الحكم الفردي وعلى مواصلة انتهاج سياسة الضبابيّة والتعتيم الإعلامي، وعلى تجارب مجهولة النتائج في المجال الاقتصادي، وعلى اعتماد التمثيلية الشعبية على أساس القرعة، وغير ذلك من « الأفكار » الشخصية، فعلى تونس السلام

منير الشرفي