أيهما أخطر على حياة التونسيين: الفيروس أم منظومة الحكم القائمة؟

« ما عساه يا تُرى يكون تقييمنا، لو أنجزناه، لمسار معركتنا الضروسْ ضد الفيروسْ؟؟ برأيي، وأنا الجاهلُ الجَهولْ بالطب وعالمه المَهُولْ، أن التقييم الوحيدَ الصحيحْ هو الذي يخرج بنتيجةِ أنَّ منظومة الحكم القائمة لا يرجى منها خيرٌ أو إصلاحٌ، جميلٌ أو قبيحْ. فقد استنفدت كلَّ أكاذيبِها ومراوغاتِها والمُدخلَ والمُخرجَ من السياق. وهي بصدد تجربةِ العنفِ والعصا الغليظةِ على الظهر والساقْ. كلُّ ذلك والشعبُ لم يهتدِ بعدُ لمعرفة أيِ فيروسْ هو الأخطرُ على حياته والأدعى للتعجيل بالتلقيح ضده بتوحيد الكلمةِ والصفْ لقلعه مثلما يُقلع الضرسُ حين يضربه السُّوسْ؟؟ »

هكذا كتب الإعلامي مختار اللواتي على صفحته بالأمس! وما كتبه ألهمني للتفكير في السؤال الذي طرحه وقررت المحاولة للإجابة عنه. سؤال مُحير فعلا وشجاع! فعلا، فمَن يتجرأ اليوم أن يطرح إمكانية أن تكون منظومة الحكم الحالية أكثر خطورة من فيروس كورونا الذي خطف آلاف الأرواح من أقرباءنا؟

للوهلة الأولى، يمكن الجزم قطعيا أن الفيروس أخطر لأنه لم يؤثر فقط في صحتنا البدنية، بل هو خاصة أثَّر على صحتنا النفسية، إلى درجة أن عدم الغرق في إحباط مدمر، أصبح التحدي الأكبر، والرياضة الأكثر ممارسة يوميا للآلاف من التونسيين والتونسيات. والمُفزع أكثر، هو أن بعد إنتهاء جائحة هذا الفيروس، فسوف تَغمر شعوبنا جائحة الإضطرابات والأمراض النفسية التي يمكن أن تكون أكثر شراسة من الجائحة الحالية. ولست متيقنة أننا أعددنا لها ما إستطعنا من أخصائيين نفسانيين وعلاج فعال لو أن أغلبية شعبنا سوف يغوص في بحر إضطرابات نفسية وعقلية ليس له قاع

لكن بالرغم من هذا السيناريو القاتم فهو أقل قتامة من المشهد السياسي وما آلت إليه بلادنا من فوضى سياسية على جميع الأصعدة ذات أبعاد وتداعيات في جل المجالات تُنذر بإفلاس وشيك والذي إن حصل، فهو سوف يفتح الباب لكل السيناريوهات المحتملة. فعلا، فلا أحد منا يعرف كيف سوف يتصرف الجمهور الذي يعيش فقط براتب أو جراية، لو توقفت الدولة على دفعهما، آخر شهر أفريل أو ماي أو جوان. ولا أحد يعرف كم سوف يتحمل القطاع الخاص تداعيات عدم حصول مستهلكيه على راتب أو جراية. بل كيف سوف يتصرف جمهور المُقرضين لو توقفنا على سداد الديون المتخلدة بذمة بلادنا وأعلنا إفلاس الدولة

إخفاء رأس الدولة والحكومة والبرلمان في الرمل لن يجدي نفعا، لأنه سوف يؤدي بمصير شعبنا إلى سيناريوهات لا تُحمد عقباها. ومواصلة المسرحية السمجة التي يلعبونها بالشراكة مع كل الأحزاب، هو ضرب من العبث والإستهتار بمصالح شعب يقاوم بكل ما لديه من قوة وشجاعة وصمود جائحة يعاني ويلاتها منذ أكثر من سنة ويحاول وقاية نفسه من موجاتها التي لا يعرف حتى عددها. والسماح بتردي الوضع السياسي والإقتصادي والصحي والإجتماعي والثقافي… هو مثل الذي يسمح بتفشي سرطان في عضو ما، سوف يجبر بعد ذلك على إستأصاله، أو مثلما يقول الإعلامي مختار اللواتي « يجب إقتلاع الضرس المسوس

نعرف كلنا أن التاريخ لا، ولم ولن يسامح كل من رشح نفسه للأخذ بمسؤولية إدارة مصالح شعب كامل وخان هاته المسؤولية. لكن هذا العزاء غير كافي لقبول الأمر الواقع الذي وصل إلى أقصى حدود التردي والبذائة. السلطة مسؤولية وليست بهرجا ونفاقا وتهديدا ووعيد وتصفية حسابات… ومَن لا يفهم أو يُقدِّر حجم هاته المسؤولية، فعليه الإنسحاب فورا قبل فوات الأوان، لأن موجة الغضب العارم التي سوف تجتاح البلاد فور إعلان إفلاسه لن ينجو منها أحد

ومحاسبة التاريخ لهم سوف تكون أرحم من محاسبة الشعب، الذي لن يسامح من خان مصالحه وتسبب في شقائه. والتعويل على جحافل الأمن والأمن الموازي وكل الأجهزة القمعية التي لم تصمد منذ عشر سنوات، دليل على السذاجة لأنها لن تصمد هذه المرة أيضا

وللمرة الأخيرة أناشد عقلاء هذه البلاد أن يأخذوا بزمام الأمور قبل فوات الأوان لأننا لن نعيش السيناريو اليوناني، لأن اليونان جزء من أوروبا التي سارعت بإسعافها، ولا حتى السيناريو اللبناني، بل إن السيناريو التونسي سوف يكون أكثر خطورة لأنه أكثر تعقيدا

وأنا متفقة تماما مع سي المختار أن « توحيد الكلمة والصف » هو المخرج الوحيد لما نحن عليه الآن، وتقديم الحلول الاقتصادية والسياسية التي نحتاجها الآن وليس غدا هو الطريق الوحيد للخلاص، وهذا لا ينفي محاسبة كل من تسبب فيما آلت عليه بلادنا … لكن في أوانه! فعندما يحترق البيت، يجب إطفاء النيران وبعد ذلك محاسبة ومحاكمة مَن أشعلها!

خديجة توفيق معلى