أكاذيب مصطفى عطية

نشر البارحة مصطفى عطية نصا غاية في البذاءة والكذب على الأموات ينم عن جهل فظيع بتاريخ الوطن وشخوصه خدمة لما انتشر في هذا الفضاء من تخليط بين مواقف الأحياء ونسبتها إلى أصولهم العائلية، لذا كان الردّ واجبا وفرض عين حماية لما تبقى من أخلاق في جو سياسي موبوء نقول وعلى الله الاتكال، أن تتفق مع الأستاذ عياض ابن عاشور أو تختلف معه فأمر وارد ويجب أن لا يخرج عمّا يسمح به النقاش العلمي الهادئ مهما كان الخلاف محتدما ولا ينتقل إلى مجالات أخرى كأن تكون شخصية أو عائلية خصوصا لمّا يُصحب ذلك بالأكاذيب والترهات المنتشرة لدى العوام والتي اكتسبت صدقية موهومة لشدة رواجها

اتخذ الأستاذ ابن عاشور موقفا من إجراءات 25 جويلية واعتبرها انقلابا ذلك حقه ولكن أن ننتقل إلى شتم أسلافه زورا وبهتانا فذلك ما لا يجب أن يمرّ، فيما يلي الردّ على أكاذيب مصطفى واحدة واحدة وبتفصيل

1) الكذبة الأولى ادعى مصطفى أن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور تصدر مجلس افتتاح المؤتمر الأفخارستي وشارك في فعالياته وهو أمر مكذوب من ألفه إلى يائه والذي حصل أن الهيئة المشرفة على المؤتمر نشرت في جريدة الدبيش قائمة لجنة المؤتمر الشرفية أدرجت فيها أسماء كل الذوات الرسمية كالباي وكبار المسؤولين ومن بينهم شيخ الإسلام الحنفي أحمد بيرم والمالكي محمد الطاهر ابن عاشور وذلك قبل الحصول على موافقة المذكورين وقد نشر الشيخان دفع التباس في جريدة الزهرة بتاريخ 29 ذي القعدة 1348هـ الموافق 28 أفريل 1930م أي قبل انعقاد المؤتمر جاء فيه: « نشرت جريدة الدبيش تونيزيان قائمة بأسماء الذوات الذين قبلوا بالإشراف على أعمال المؤتمر الإفخارستي جاء من بين أفرادها أسماء فضيلتي شيخ الإسلام والباش مفتي المالكي وبما أن الشيخين المشار إليهما لم يجيبا الدعوة لهذا الغرض المنافي لمنصبهما الديني الإسلامي فقد وجب التنبيه لذلك دفعا للإلتباس ورفعا للإيهام » ولم يحضرا المؤتمر ولا شاركا فيه بعكس أسماء أخرى كالطاهر بن عمار الذي عبر عن موافقته على المشاركة ونشر ذلك في الدبيش، فلماذا الكذب على الأموات يا مصطفى؟

2) الكذبة الثانية في قوله بادر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالتهجم على الطاهر الحداد ثم أمر بمصادرة الكتاب وتكفير مؤلفه وطرده من عمله وتحريض الرأي العام ضده، أما التاريخ فيقول بأن الطاهر الحداد لم يكفر من طرف شيوخ الزيتونة بل كفر من طرف خصومه السياسيين من جماعة الحزب الدستوري القديم كراجح إبراهيم وحسين الجزيري وغيرهما ولم يؤثر عن الشيخ تجريح في الرجل أو كتب عنه حرفا واحدا كل ما هنالك أن اللجنة التي نظرت في كتابه وترأسها الشيخ دعت في رسالتها إلى الوزير الأكبر إلى سحب الكتاب لأنه « ربما يكون موجبا للتشويش الذي نتحاشاه » وشتان بين التكفير والتشويش هذه الأولى والثانية لم يؤثر عن الشيخ تكفير حتى لمن تجاهر بخلاف ما دعت إليه الشريعة يقول في كتابه أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص88: « فالذي يعتبر الذنوب كفرا يلزمه أن يعتبرها خروجا عن الجماعة فيرزأ الإسلام جمهرة عظيمة من أتباعه ويحرمه فوائد جمة من انتصاره بهم وانتفاعه، هذا عمرو بن معد يكرب كان من وجوه المسلمين وسادة العرب ويذكر عنه أنه لم ينفك عن شرب الخمر من بعد تحريمها، فلو أنه بشربه للخمر عدّوه كافرا لرجع إلى صفوف المشركين، فخسر الإسلام مواقفه العظيمة في الفتوح في القادسية وغيرها، فرحمه الله وإن شرب الخمر، ورغمت أنوف المكفرين بالذنوب لا أنف أبي ذر » هذا هو الشيخ الذي عرفناه من آثاره وليس المسخ الذي تصوّره مصطفى واتخذه سبوبة لشتم الأحياء

3) الكذبة الثالثة تتعلق بالشيخ محمد الفاضل ابن عاشور حيث ادعى مصطفى أن الشيخ سنة 1959 عارض التسوية في الميراث بين الذكر والأنثى التي دعا إليها بورقيبة في واحدة من خطبه والحال أن الشيخ في تلك السنة كان قاضيا مالكيا بالمحكمة الشرعية في خطة رئيس الدائرة الأولى بمحكمة التعقيب أما إشارة الزعيم المتعلقة بالمساواة في الإرث فقد وردت في خطاب ألقاه بتاريخ 18 مارس 1974 ونشر تحت عنوان « الإسلام دين عمل واجتهاد » وذلك بعد وفاة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور بأربع سنوات كاملة أيام كان الحبيب بلخوجة مفتيا فلماذا الكذب على الشيخ وما الداعي لتدليس التواريخ وتغييرها يا مصطفى؟

4) الكذبة الرابعة تتعلق بالفصل الذي نشر للشيخ محمد الفاضل ابن عاشور عن سيد قطب وهو في حقيقته تصريح أدلى به لمحرّر تونس إفريقيا للأنباء بعد إعدام سيد قطب والذي يجب أن ننتبه إليه أن الزعيم بورقيبة في ذلك الوقت كان في خصومة كبرى مع عبد الناصر وصلت إلى حدود قطع العلاقات والحملات الصحفية، في هذا الإطار صدرت مقالات عديدة في ظاهرها الدفاع عن سيد قطب ولكنها في حقيقتها التشهير بالنظام الناصري ومن بين الذين كتبوا في ذلك الحبيب بولعراس والبشير العريبي وغيرهما ممن تحفل جريدة العمل بنصوصهم وهو المعنى الذي أشار إليه توفيق الشاوي في مذكراته لما تدخل لصالح سيد قطب لدى بورقيبة، ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نحاسب السابق بما أصبح عليه اللاحق فسيد قطب نفسه تغيّر بين المرحلة الأولى كناقد أدبي إلى المرحلة الثانية كباحث إسلامي إلى المرحلة الثالثة كمنظر للتكفير وجاهلية المجتمع

أما بالنسبة لأبناء الشيخ الفاضل ابن عاشور فهم أقدر على الدفاع عن أنفسهم بقي أن أشير إلى بعض الملحوظات قبل أن أنتقل إلى مصطفى نفسه كالتالي

1) عين رافع كاتب دولة للتربية لمدة عام وسبعة أشهر وإذا بذلك يؤدي إلى انهيار المنظومة التربوية وفق ما يرى مصطفى
2) عين العزيز بن عاشور وزير ثقافة وإذا بالخراب يطال هذا القطاع الأمر الذي يعني أن كل موقع يوجد فيه واحد من آل ابن عاشور إلا ويصبح خرابا، والغريب في الأمر أن مصطفى نسي بقية أفراد العائلة كموسى الكاظم وعبد الملك وغيرهما وحتى الأصهار كان من المفروض أن ينسحب عليهم ما وسم به آل ابن عاشور ومن بين الأصهار آل جعيط وآل محسن وآل الجلولي

هكذا يتجرأ مصطفى عطية زورا وبهتانا على قامات علمية ما ذكرت تونس إلا بذكرهم أما قوله الذي ردّده مرتين عن رافع والعزيز « بطانة ابن علي » فغريب لأنه من الأفضل أن يوصف المرء بأنه من بطانة ابن علي رئيس الجمهورية بدل أن يوصف بأنه من بطانة ليلى التي ألف حولها كتابا كاملا عنوانه: « من عليسة إلى ليلى بن علي » رابطه كالتالي

ولو عدنا إلى الميدان الثقافي الذي قال بأنه خرب منذ أن عين فيه العزيز ابن عاشور لوجدنا أن مصطفى كان موجودا طوال العشرين سنة من حكم ابن علي في ديوان الوزير منذ أن كان الحبيب بولعراس وزير ثقافة إلى عبد الباقي الهرماسي الذي عينه مديرا عاما للدار العربية للكتاب نظير الخدمات العائلية التي أداها له، ومن الفساد الثقافي الذي شارك فيه مصطفى أيام عبد الباقي مشاركته في إعداد كتاب يحوي عددا كبيرا من الصور العائلية للمرحوم محمد بوذينة طبع طباعة أنيقة وبيعت كل نسخه لوزارة الثقافة بحساب 50 دينارا للنسخة الواحدة وللعلم فإن بوذينة صهر الهرماسي الوزير ألا يعدّ هذا فسادا تجب محاسبة فاعله والمساهم فيه؟

يبقى في الأخير القول بأن الخلاف بين الذوات مقبول وجائز ولكن دون أن ينتقل بدون موجب إلى سلخ العائلات وجلد ذواتها فليس فينا من اختار والده أو جدّه أو أمه، المرء مسؤول عن موقفه وليس عن مواقف غيره وكلمتي إلى مصطفى توقف عن الكذب وإن عدت عدنا

بقلم أنس الشابي