أزمة الحكم على أشدّها ورمضان على الأبواب.. حذار من الإرهاب والإرهابيين

* الإدارة السياسية للحرب على الإرهاب تبدو دون المأمول ولا ترتقي لما يطلبه المجتمع المدني والسياسي وما تبذله المؤسستان الأمنية والعسكرية
* الحرب على الإرهاب والإرهابيين لم تنته والإرهابيون « ذئابا » منفردة أو مجتمعة لهم للأسف موطئ قدم في ربوعنا وعلى حدودنا مع الأشقاء

******

تمكّن بواسل المؤسستين الأمنية والعسكرية من القضاء على ثلاثة إرهابيين أول أمس الإربعاء 1 أفريل 2021 في إطار عملية استباقية نوعية في ولاية القصرين وتحديدا في جبل المغيلة أين تمت الإطاحة بالعنصر الإرهابي «حمدي ذويب» التابع للتنظيم الإرهابي «أجناد الخلافة» وحجز سلاحه من نوع شطاير، وفي جبل السلوم أيضا وقعت تصفية عنصر إرهابي مرفوق بزوجته المنقّبة الحاملة لجنسية أجنبية والتي فجّرت نفسها باستعمال حزام ناسف أسفر عن هلاكها وهلاك ابنتها الرضيعة التي كانت تحملها بين ذراعيها في حين بقيت ابنتها الثانية على قيد الحياة وفق بلاغ لوزارة الداخلية

وأوضحت الداخلية في ذات البلاغ أن الإرهابي «حمدي ذويب» هو من العناصر القيادية صلب تنظيم «أجناد الخلافة» التابع لما يسمى بتنظيم «داعش» الإرهابي وقد ثبت تورطه في العديد من العمليات الإرهابية. كما كشف مسؤول أمني لوسائل الإعلام أمس أن الإرهابية الهالكة تحمل جنسية آسيوية دون تحديدها

وطبيعي اليوم الإقرار بأن هذه العملية النوعية الناجحة لبواسلنا لا تحجب جملة من الحقائق التي يتوجب الوقوف عندها والتأشير لخطورة تداعياتها على البلاد والعباد وعلى رأسها حقيقة أن الحرب على الإرهاب لم تنته وأن الإرهابيين «ذئابا» منفردة أو متجمّعة لهم للأسف موطئ قدم في ربوعنا وعلى حدودنا مع الشقيقة الكبرى الجزائر والشقيقة ليبيا ولها سند إقليمي ودولي ضمن أخطبوط الإرهاب العالمي الملتحف بعباءة الدين والعابر للقارات

الأورام الخبيثة

لن نعود هنا الى البيئة التونسية بعد ملحمة 14 جانفي غير المكتملة، ووصول حركة النهضة الإسلامية للحكم وقيادة الترويكا بعد الانتخابات التأسيسية في 23 أكتوبر 2011، حينها «انتفخت» الجماعات الأصولية والسلفية المتشددة كالأورام الخبيثة وعاثت في ربوع الوطن مستفيدة من الصمت السياسي لحكام تونس الجدد بل وتشجيعهم وحتى الدفاع عنهم وتبني خطابهم الذي «يذكّرهم بشبابهم»، إلى أن حصل المحظور وسالت الدماء وحصلت الاغتيالات السياسية وتواترت العمليات الإرهابية التي تستهدف الأمنيين والجنود والمدنيين وحتى ضيوفنا من السياح الأجانب والأطفال الأبرياء الرعاة في الحقول والجبال، لكننا نقول أن الأورام ما تزال قائمة للأسف وهي تزداد تعفّنا نلمسه في «إطلالات» الإرهابيين وتسجيل حضورهم العفن الذي يتصدى له بكل شجاعة ووطنية وفداء أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية وكذلك المواطنون العاديون كما حصل في ملحمة بنقردان قبل خمس سنوات

لقد سمحت العملية الاستباقية الجديدة بتصفية «حمدي ذويب»، عنصر خطير وهو قيادي محلي في ما يسمّى بتنظيم داعش الإرهابي، وقد سبق القضاء على عديد القيادات الإرهابية الحاملة للجنسية التونسية التي هم غير جديرين بها وكذلك لجنسيات أخرى، لكنها المرة الأولى التي نكتشف فيها وجود «عائلة» برمتها مشكّلة من الزوج والزوجة كما جاء في بلاغ الداخلية استنادا ربما للهويات المحجوزة والمعطيات الاستخباراتية إلى جانب طفلة بريئة قضت على يدي أمها التي فجرت حزامها الناسف وطفلة ثانية كان حظها أفضل إذ بقيت على قيد الحياة وهي الآن بين أياد آمنة، وهذا يعني ان حضور الإرهابيين ما يزال هاما في منطقة الوسط الغربي القريبة من الحدود مع الجزائر التي تمثل مخابئ أساسية لـ «الجهاديين» الإرهابيين الذين يستهدفون البلدين

إن هذا المعطى يضاعف مسؤولية القيادة الأمنية والعسكرية في حربنا على الإرهاب ويعطيها في تقديرنا الضوء الأخضر إن جاز القول للمضي بكل صرامة وحزم في ملاحقة الإرهابيين ودكّ حصونهم دون البحث مطوّلا إن كانوا ذئابا منفردة أو مجتمعة، فهذه الكائنات لا تؤتمن وهي تلتقط الأنفاس في حالات الاسترخاء والأخطر من ذلك أنها تتمعّش من الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد وتستغل المناسبات الوطنية والدينية لتعكر على التونسيين صفوة الاحتفال بها

الجعجعة والطحين

وهنا حقيقة ثانية وهي أننا على أبواب شهر رمضان وقد عوّدنا الإرهابيون بالغدر في مثل هذه المحطات وقد سبق أن سجلنا أخطر العمليات الإرهابية في نفس الشهر أو عشية عيد الأضحى أو المولد النبوي بالإضافة إلى عيدي الاستقلال والجمهورية وغيرهما من المناسبات الوطنية أو بالتزامن مع ذكرى عملية إرهابية سابقة

والحقيقة الأخطر في نظرنا هي ما يمكن أن نسميه بواقع الجبهة الداخلية باعتبارنا في زمن الحرب الدائمة والمستمرة على الإرهاب والإرهابيين فأزمة الحكم على أشدّها و«التدافع» والصراع بين أركان منظومة الحكم يزداد شراسة من يوم إلى آخر مع استفحال الأزمة الصحية بفعل تفاقم وباء الكورونا أيضا وتدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع نسبة التشاؤم وفقدان الأمل لدى طيف واسع من التونسيين

إن الإدارة السياسية للحرب على الإرهاب في بلادنا تبدو دون المأمول ولا ترتقي لما يطلبه المجتمع المدني والسياسي وما تبذله المؤسستان الأمنية والعسكرية بالخصوص، فما نزال نسمع منذ 2011 تقريبا بـ«الإستراتيجية الوطنية للحرب على الإرهاب» بشكل تنطبق عليه مقولة «تسمع جعجعة ولا ترى طحينا»، فمرة يُقال أنها موجودة وأخرى يُقال أنها بصدد الإعداد بالشراكة بين عديد الأطراف وفي كل مرة يدور الكلام حول جوهر هذه الإستراتيجية الذي مفاده أن المواجهة مع الإرهابيين ومقاومة الإرهاب ليست فقط أمنية وعسكرية بل ثقافية وتربوية ودينية واجتماعية واقتصادية وسياسية فأين نحن من كل هذه الأبعاد وماذا تحقق منها ومظاهر التطرف تبرز بين يوم وآخر في مؤسساتنا التربوية وفي الفضاء العام وحتى تحت قبة البرلمان كما يتراشق النواب أنفسهم بهذه التهم ؟

لقد وقعت العملية الاستباقية في سياق أزمة الحكم الشائكة والمركبة والمتفاقمة وجاءت بعد شهرين على وقوع عملية إرهابية مطلع فيفري الماضي وأسفرت عن استشهاد أربعة جنود إثر انفجار لغم «تقليدي» خلال عملية تمشيط في جبال المغيلة أي في نفس المنطقة بولاية القصرين وكان ذلك في غضون الأسبوع الذي تم فيه عرض التحوير الحكومي على الثقة في البرلمان ولم يحصل الوزراء الجدد على وظائفهم بعد بما أنهم لم يؤدوا القسم بعد رفض رئيس الجمهورية لذلك

لا تعنينا حكاية «الأزرار» ولا نعدّل مواقفنا على «مقولة الفزاعة» ولا على «رياضة التخفيض من الكولسترول» ولا نرجم بالغيب ولا نتهم أحدا لكن الثابت بالنسبة إلينا هو أن من يدخل الحرب وهو منهك في جبهته الداخلية مخطئ، بل هو مقترف لخطيئة لا تغتفر بما أنه يعرّض حياة التونسيين للخطر ويعرّض أمن البلاد وأرضها وعرضها للخطر الجسيم والإرهابيون ومن ورائهم داعموهم في الداخل والخارج هم المستفيدون الحصريون من استمرار الأزمة التي توفر لهم الفجوات والثغرات التي تسمح لهم بالتقاط الأنفاس لإيذاء الناس

إن الحرب الحقيقية على الإرهاب ليست مجرد جمل رنانة وتهديدات شفوية وصواريخ هوائية تُطلق بعد كل موقعة سواء كانت لصالحنا أو لصالح أعدائنا الإرهابيين، هي حرب دائمة ومستمرة ومفتوحة والقدر فيها واضح لا لبس فيه : الانتصار أو الانتصار وفاء للشهداء والجرحى ولتونس الجديدة

بقلم: مراد علالة