كثيرا ما نكتب ونقرأ عن المرأة التونسية وعن وضعها وحقوقها يومي 8 مارس و13 أوت من كل سنة. وكأننا نحتفل بعيد ميلاد أو باليوم العالمي للأقليات. وكأن المرأة لا تستحق أن نكتب عنها في كل حين، بمناسبة وبغير مناسبة، نظرا لأهميّة مكانتها في المجتمع ولحرمانها من حقوق مشروعة
قال الشاعر المرحوم محمد الصغير أولاد احمد: « نساء بلادي نساء ونصف ». هكذا هي فعلا المرأة التونسية، المرأة المعطاءة والمتحررة. العالم بأسره، وخاصة الدول العربية والإسلامية، ينظر إلى امرأتنا بانبهار وإعجاب ويعترف لها بالثقافة والجدارة، وحتى الجمال. وهي دون شك، بحكم تقدمها العلمي والاجتماعي، منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية، قادرة على التسيير بحنكة واقتدار في مختلف المجالات والمواقع. وليس من باب الصدف أن نجدها مُتفوّقة في كافة المستويات التعليمية وفي نتائج الامتحانات الوطنية، وفي عديد المهن مثل الطب والتدريس والقضاء
المرأة التونسية تعيش اليوم نوعا من التهميش غير المفهوم وغير المقبول. ولا نجد تفسيرا لذلك غير أن هناك من يعتدّ بمقولة « المرأة مُكمّلة للرجل »، أو مقولة « لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ». ولعلّ أهمّ مثال يُمكن أن نسوقه بخصوص هذا التهميش الجديد للمرأة التونسية هو التراجع المُؤسف والمًفاجئ وغير المفهوم عن مبدأ التناصف في الانتخابات، هذا المبدأ الذي يُعتبر مكسبا هامّا للحياة العامة وللحياة السياسية بالخصوص في تونس
هذا التراجع سيُعطينا حتما في البرلمان الذي يتمّ الإعداد لتركيزه هذه الأيام في تونس مجلسا ذكوريّا يُذكّرنا بعهود خلنا أنها ولّت دون رجعة. وما أدلّ على ذلك ما صرّح به رئيس الهيئة « المستقلة » للانتخابات من أن عدد المترشحين إلى غاية يوم الأربعاء هو 377، منهم 330 رجلا و47 امرأة. أي أن النساء يُمثّلن حوالي 12% من جملة المترشحين، أي أقل من الثُّمن، دون اعتبار أن عددا منهن، قد يكون هامّا، سيتمّ تصفيته يوم الاقتراع بالنظر إلى ما يعرفه الجميع من أن الشعب التونسي، الذي تبلغ نسبة الأميّة فيه أكثر من الربع، هو شعب محافظ عموما، إن لم نقل بأنه ذكوري بالفطرة وبالتقليد
صحيح أننا نجد في تونس بعض النساء في مواقع مُتقدّمة. لكن الأكيد هو أن اختيارهن يقع عادة على أساس الولاء أو ضعف الشخصية، حتى لا يُقال بأن السلطة لا تحترم المرأة، ما عدا طبعا بعض الحالات النادرة
موضوعيّا، لا يُمكن الكلام عن وضع المرأة اليوم في تونس دون التعرّض إلى ما أصاب السيدة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، مُؤخّرا. يُمكن الاختلاف مع هذه المرأة بخصوص بعض المواقف السابقة أو بعض الأفكار الحاليّة، لكنه من باب الجحود القول بأنها ليست مناضلة صلبة من أجل دولة مدنية حداثية ديمقراطيّة، وأن الإخوان عنّفوها كما طاب لهم خلال السنوات القليلة الماضية بمساندة مُطلقة من السلطة التنفيذية، وخاصّة من حكومة المشيشي سيّئة الذكر. هذه المرأة، التي يحترمها مساندوها ومُعارضوها الموضوعيّون على حدّ السواء، تعرّضت إلى الإهانة في الشارع. إهانة أدت بها إلى الإقامة بالمستشفى، وإهانة مسّت نساء تونس جميعا، ومسّت أيضا رجال تونس المدافعين عن الوطن وعن القضايا التقدمية وخاصّة منها قضايا المرأة. لذلك، يُمكن القول بأن الاعتداء عليها هو اعتداء على المرأة التونسية عموما، وعلى المرأة الناشطة في الحقل السياسي بالخصوص. وكما أن الذين اعتدوا عليها قبل 25 جويلية لم تتمّ محاسبتهم رغم القضايا العدلية التي قدّمتها ضدّهم، فإن من اعتدى عليها بعد ذلك التاريخ لا أعتقد أنهم سيُحاسبون في أجل منظور
خلاصة القول هي أن المرأة التونسية التي ناضل من أجل تمكينها من حقوقها الهادي العبيدي والطاهر الحداد والحبيب بورقيبة وبشيرة بن مراد وراضية الحداد، وغيرهم كثير، وبعد أن اكتسبت جزءا هامة من حقوقها، وليس أقلها مبدأ التناصف في الانتخابات التشريعية، ها أنها تشرع في فقدان هذه الحقوق لتُصبح « مُكمّلة » عن مضض للرجل وربما تصل إلى صفة : آلة للإنجاب
لا يا سادتي
المرأة التونسية امرأة ونصف. فهي تستحق احترامنا جميعا، وتستحق التقدير على ما تُبديه يوما بعد يوم من كفاءة واقتدار، وتستحق أن نُحبّها حتى تشعر أننا جميعا نُقدّر الجهود التي ما انفكّت تبذلها في الدراسة وفي العمل حيث تألّقت بشكل واضح وبديهي
يجب ألّا نكتفي بحب الأم والأخت والزوجة والبنت. بل يجب أن نحب تلك المرأة اللامعة التي تتكبّد أتعاب الشغل والبيت في آن واحد، وتُساهم في الإنفاق على العائلة مثل الرجل، وأكثر في كثير من الأحيان
إن الدفاع عن المرأة من قبل الرجال قبل النساء، هو واجب وطني وأخلاقي، حتى تحصل على كافة حقوقها، وعلى المساواة التامّة مع الرجل. وبدون المساواة، وبدون الاحترام، وبدون الحب، نُؤسس لدولة أشبه ما يكون بالجسم المُعاق الفاقد لنصف أعضائه ولنصف عقله ولنصف وجدانه وتوازنه المادي والمعنوي
منير الشرفي