يُحكى أن رجلا في العصر العباسي كان يطلب رجلا دينا، وكان الدائن يتردد كثيرا على المدين للحصول على دينه، ولكن المدين كان دائما يتعذر بقلة ذات اليد وحالة فقره، وجاء مرة الدائن إلى المدين مطالبا بما له عنده فاعتذر هذا الأخير فغضب منه الدائن وضربه ضربة قوية على وجهه، ثم ذهب
بعد أيام جاء الدائن مرّة أخرى الى منزل المدين وفتح له الباب ابنه فسأله عن ابيه فنفى وجوده في المنزل، ظن الدائن ان الابن يكذب حماية لوالده فغضب ورفع يده على الولد وضربه ضربة خفيفة، في تلك اللحظة ظهر والد الطفل عائدا الى بيته وإذا به يشاهد ما أتاه الدائن مع ابنه فبكى بكاء مرّا شديدا، استغرب الدائن أمره وقال: لِمَ تبكي لقد ضربته ضربة خفيفة، أنسيت أني ضربتك بالأمس ضربة موجعة فلم تبك؟ فقال الاب متسلحا بعاطفة الابوة: بالأمس ضربت جلدي، واليوم ضربت كبدي… فتأثر الدائن بهذه المقولة، وأسقط دينه، وأقسم ألا يطالبه بهذا الدين أبدا…جميعنا أو لنقل أغلبنا قرأ ما قاله الله تعالى في الآية 21 من سورة الروم » وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون « …أرأيتم عاطفة الأبوة…أرأيتم تلك المودّة …فوالد الطفل لم يبك حين ضُرب ضربا موجعا…وبكى حين ضُرب ابنه ضربا خفيفا…واليوم ونحن نعيش موجة الحقد في أبشع مظاهرها ألا يجب ان نحافظ على « المودّة » بيننا وبين أجيالنا القادمة؟ ماذا يضيرنا لو خرجت بعض أجيالنا القادمة عن النصّ وأخطأت، ألم نخطئ نحن سابقا…ألسنا اليوم بما نأتيه بيننا على خطأ كبير…ألسنا على خطأ أكثر فظاعة مما قد تأتيه أجيالنا القادمة….ألسنا نحن من أورثناهم الخطأ بحقدنا على بعضنا البعض…ألم نأت صراحة بما أتيناه أفظع مما أتوه…؟؟ تعالوا نحافظ على الرحمة بيننا وإن أخطأ بعضنا في بعضنا ومع بعضنا…تعالوا نحيي الـــ »مودّة » بيننا ونرعاها ونسقيها…فتكبر الـــ »مودّة » بيننا فننتصر على الحقد فينا والحاقدين بيننا…تعالوا نحضن الـــ »مودّة »، فبها…ومعها فقط، نضمن مستقبلا أفضل لأجيالنا القادمة…تعالوا… أنشروا الرحمة…وأطلقوا سراح الـــ »مودّة » فكيف تريدون أن نُبقي الـــ »مودّة » بيننا وهي سجينة أحقادنا وما نأتيه لبعضنا البعض…وبالله عليكم…لا تفرّقوا بين الرحمة والـــ »مودّة »…فالله جمعهما في آية واحدة…وختامها…مودتي…مودتكم…دمتم جميعا ودامت مودتنا
سلامة حجازي