«مستلهمة من رواية «1984» لـجورج أورويل»
نكتب للأطفال الذين قد يعيشون في «دولة الأخ الأكبر» يوما
لا يسمح لنا بالتصوير أو بالكتابة أو بالقيام بأيّ عمل يوثّق لحالة الإنساني الذي يعيش في : دولة الأخ الأكبر
كل شيء ممنوع، إلاّ ما شرّع الأخ الأكبر، لا معنى للقيم إلا ما أسّس الأخ الأكبر. لا توجد كلمة إنسان بل آلات بشرية يعيشون وسط رقعة جغرافية هي دولة الأخ الأكبر، محاطة بأسلاك شائكة كهربائية قاتلة وكاميرات مراقبة ورادارات رصد للآلات البشرية، لا أحد يغادر هذه الدولة ولا أحد يقترب منها إلا من أذن له الأخ الأكبر، الذي لم يأذن لأحد حتى الآن
صور الأخ الأكبر معلّقة على كل باب من أبواب المدن والقرى، بل على كل المحلات والهياكل والمساكن، وحتى القبور
معاني الكلام في دولة الأخ الأكبر تعني أضدادها، فالمحبة تعني الكراهية المطلقة، والسلم هو الحرب، والحرية هي العبودية، لذلك شعار هذه الدولة هو «حرية أبد الدهر»، ولكن هناك مفاهيم لا تتحوّل إلى أضدادها ولكنها تتغيّر بعض الشيء، فالجهل يصبح قوّة والخبث يصبح نفاذ بصيرة والضغينة تتحوّل إلى صبر
أركان دولة الأخ الأكبر واضحة المعالم، تبدأ بقصر الأخ الأكبر وهو مرسل كل الأوامر والنواهي والمخططات والإشارات.. ولهذا القصر وزارة واحدة هي وزارة الرصد، التي تعنى برصد كاميرات المراقبة المعلّقة في كل البيوت والمحلات والشوارع وحتى في الصحاري والجبال، لتُّرفع التقارير بعد ذلك إلى الأخ الأكبر
ولا توجد شرطة لسكان هذه البلاد، لأنّهم لا يتجرؤون على افتعال المشاكل أو اقتراف السرقات وارتكاب المخالفات من شدّة هزال أجسادهم ومن شدّة أمراضهم الجلدية والتنفسية والباطنية.. وأما البعض الأخر ، أو الأغلبية الساحقة فلا يخالفون القانون لأنه لم يكن هناك قانون في الأصل، لأنّ القانون الوحيد اسمه الأخ الأكبر
لكن في المقابل هناك شرطة الفكر، لا أحد يفكّر ولا أحد يأتي بمبادرة تعكس عملا ذهنيا إبداعيا، من يحمل فكرة كمن يحمل إثما أو خطيئة، أو بالأحرى، من يحمل فكرة كمن تطاول على الأخ الأكبر
لا أحد يدرس ولا أحد يفكّ الخط حتى، لذلك يعاقب بالإعدام مباشرة من ثبت أنه فكّر أو ملك كتابا أو قلما وأوراقا.. والسؤال هنا، كيف تعرف شرطة الفكر أنّ أحدهم فكّر؟ الإجابة سهلة للغاية، من لم يُحي صورة الأخ الأكبر ومن لم يقف احتراما لتسجيل صوته المنبعث من كل مكان صباحا مساء، وترصده كاميرات الرصد يكون خائنا ويعدم مباشرة ودون تردّد، وقد أعدم الكثيرون
لأنّ الخيانة، خيانة نظام دولة الأخ الأكبر، تعتبر درجة أولى من سلّم التفكير.. وشرطة التفكير، هي شرطة الموت، يرتدون الملابس السوداء، وجوههم كالحة لا حياة فيها ولا حتى بصيص أمل صغير، عيونهم جاحظة تنظر في اتّجاه واحد فقط، ومن كثرة ما يحملون الهراوات المدبّبة والآلات القاطعة أصبحت ملتحمة كل الالتحام بأجسادهم
حدث أن استفاقت الآلات ، أو السكان في هذه البلاد، على حدث تعطّل كاميرات الرصد والمراقبة، وتعطّل صوت آلة التسجيل، التي تبثّ صوت الأخ الأكبر، لكن هذه الآلات لم تبال أبدا وواصلت تحيتها الصباحية والمسائية كأنّ شيئا لم يكن
حاولت شرطة الفكر أن تسيطر على العطل الذي طرأ فجأة ولكنها لم تتمكن من ذلك، بل لم يصدر أيّ قرار من قصر الأخ الأكبر، ولم ينفتح باب قصر
في تلك الأثناء صادف أن خرج كلب ضال من حفرة في أزقة المدينة فراح ينبح ويركض في الشوارع كأنّه أصيب بالكلب، فمرّ بجانب صورة الأخ الأكبر فتبوّل عليها، ثم واصل ركضه فمرّ بجانب صورة أخرى فأنقض عليها وراح يعضّها بأنيابه حتى سقطت، فلمّا انتبه الناس لذلك كثر
الهرج والمرج وتعالى الصياح وتداخلت العوالق ببعضها، فانتهز المتمردون، من يحملون بذور التفكير والرفض، ذلك وأخذوا في تحطيم صور الأخ الأكبر وتحطيم الآلات المراقبة والرصد وإزالة الأسلاك الكهربائية
في تلك الأثناء اقتحمت مجموعة أخرى من المتمردين قصر الأخ الأكبر بعد تردّد كبير، ففتشوا عنه وعن جبروته وعن جنده الأسود وعن شدّته وصلابته.. فلم يجدوا في القصر إلا كلبا آخر مصابا بداء الكلب
بعد سنوات من تلك الحادثة وبعدما بدأت الآلات تتحوّل إلى بشر شيئا فشيئا، عرفوا أنّ الأخ الأكبر مجرّد وهم جماعي، وأدركوا أنه كذبة كبيرة تعاظمت حتى أصبحت واقعا معاشا، فأخطر الأعداء على الإطلاق ذلك الذي يرانا ولا نراه، ذلك الذي نجعله يتقاسم معنا حاضرنا ومستقبلنا، ذلك الذي نصنعه حتى يجعلنا آلاته وأدواته
سيماء المزوغي