تونس اختتمت عضويتها في مجلس الأمن… كان بالإمكان أفضل ممّا كان

تونس اختتمت عضويتها في مجلس الأمن وقريبا في رئاسة جامعة العرب
كان بالإمكان أفضل ممّا كان

أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج يوم الجمعة الماضي بلاغا أعلنت فيه اختتام بلادنا لعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة خلال الفترة 2021-2020، وإذا قُـدّر للعرب أن يعقدوا قمتهم في هذا العام الجديد بالعاصمة الجزائرية فستُسلم تونس رسميا رئاسة جامعة الدول العربية إلى الشقيقة الكبرى الجزائر التي ستحتضن القمة العربية بعد رئاسة امتدت منذ مارس 2019 لجامعة العرب

وطبيعي في هذا الإطار أن نُقيّم التجربة ونستخلص الدروس لأن العبرة ليست في المشاركة فقط وفي العضوية في هذه المنظمة الدولية أو الإقليمية أو تلك وهي مسؤولية تحكمها في بعض الحالات المصادفة التاريخية إن جاز القول، وفي حالات أخرى الطبيعة الدورية للمسؤوليات ومبدأ التداول الجغرافي دون أن ننسى التوازنات الجيوسياسية في بعض الأحيان

لقد أقرت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج في بلاغها أن : العضوية غير الدائمة لتونس في مجلس الأمن تزامنت مع ظرف إقليمي ودولي متقلّب تتالت فيه الأزمات وازدادت خلاله التحديات المستجدّة

وشدّدت على أن ذلك «لم يُثن تونس عن تحمّل مسؤولياتها كاملة، وفق تصوّرات جديدة جمعت بين التمسّك بثوابت السياسة الخارجية للبلاد المنسجمة مع المقاصد والمبادئ الواردة بميثاق الأمم المتحدة، من جهة، وبين الواقعية في التفاعل مع بقية أعضاء مجلس الأمن وسائر الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، من جهة أخرى، من أجل المساهمة الفاعلة في تمكين مجلس الأمن من إنجاز مهمّته الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين

هنا يتساءل المرء عن «التصوّرات الجديدة» التي يتحدث عنها البلاغ وهي في الأصل عبارة «جديدة» يكرّرها رئيس الجمهورية هذه الايام في حديثه عن الحلول التي يرتئيها للأزمة التي تعصف بالبلاد ويتبيّن إثرها أنها «تصورات تقليدية» وإعادة إنتاج لأفكار قديمة، فالصناديق على سبيل المثال جرّبناها والحوار مع الشباب جربناه ايضا قبل أكثر من عقد

وبلغة «الانجازات»، رصد بلاغ الوزارة «إنجازا» رئيسيا لتونس التي «كانت سباقة بمبادرة من رئيس الجمهورية قيس سعيد بعرض مشروع قرار على أنظار مجلس الأمن يؤكّد بالخصوص على التضامن الدولي ووقف إطلاق النار لمواجهة تهديدات جائحة كوفيد – 19 غير المسبوقة».
ويعلم القاصي والداني أن فرنسا هي التي «توّجت» هذه المبادرة واعتمد مجلس الأمن بالإجماع في غرّة جويلية 2020 القرار 2532 الذي : أصبح مرجعا ليس لمجلس الأمن فحسب وإنّما أيضا للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية ومصدر فخر لتونس

في ما عدا هذا الإنجاز ذكّرنا البلاغ بتنظيم جملة من الفعاليات وترؤس بعض الاجتماعات و«عدم ادخار أي جهد من أجل الدفاع عن القضايا العربية والإفريقية ومنها القضية الفلسطينية والوضع في ليبيا.. والمسارات السياسية في سوريا واليمن والسودان» إضافة إلى اعتماد مجلس الأمن بمبادرة من تونس بيانا رئاسيا حول ملف سدّ النهضة الأثيوبي، يراعي مشاغل ومصالح كل الدول المعنية ويحث على المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي

ولا يقف جرد النشاط عند هذا الحد حيث يشير البلاغ إلى تفاعل تونس مع مطالب الدول الشقيقة والصديقة ومواصلة المشاركة في البعثات الأممية لحفظ السلام

ولا غرابة أن يصدر بلاغ مماثل بمناسبة اختتام رئاسة جامعة الدول العربية نهاية مارس القادم إذا عاد الرشد والصواب للقادة العرب لعقد الاجتماع الدوري لقمتهم ولا غرابة أن نتحدّث حينها مجدّدا عن «التصوّرات الجديدة» ونستحضر اللقاءات الثنائية النادرة مع القادة العرب ومع الأمين العام لجامعتهم

لقد كان بالإمكان أفضل ممّا كان كما يقال، فلم يعد دور الدولة الوطنية التونسية في تقديرنا، وبعد عقود من الاستقلال ومن الأدوار التاريخية إقليميا ودوليا، ومن مراكمة التجربة في المجال الدبلوماسي والعلاقات الدولية، أن نكتفي بالمشاركة والمواظبة على الحضور

إن الحديث اليوم عن النجاح في «تأمين» شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن أو على رأس الجامعة العربية أو غيرها فيه إجحاف في حق تونس التي بمقدورها ومن واجبها أن تترك بصمتها في المحافل الإقليمية والدولية وان يكون مرورها بهذه المسؤولية أو تلك تكليفا نوعيا لا تشريفا فقط.
صحيح أن الأزمة الداخلية ألقت بظلالها، وأخطاء منظومات الحكم المتعاقبة بجرّنا في لعبة المحاور كانت مؤثرة ووضعتنا أمام إرث ثقيل، لكن لا شيء كان يمنع من الجرأة على الاقتراح والفعل والإنجاز بأكثر قوّة نرى أن أبناء خارجيتنا والقوى الحية في البلاد، السياسية والمدنية التي لا تتحمل مسؤولية في الخراب الذي حل بها، قادرة على تعزيزها

لقد كنا نحلم – حلما واقعيا – بلعب دور أكبر في الملفات العربية والإفريقية وحتى الإنسانية بحكم ترابط المواضيع التي على رأسها القضية الفلسطينية بملفاتها الحارقة الآنية: جرائم الاحتلال الصهيوني، الأسرى الفلسطينيون في معتقلات العدو، وضع القدس عاصمة فلسطين وأولى القبلتين. كذلك الملف السوري وإعادة العلاقة مع الدولة الوطنية في سوريا الشقيقة وهي نقطة كانت جدّ هامة لحلحلة المصالحة العربية وتفعيل الحرب على الإرهاب في بلادنا والمنطقة دون أن ننسى ما يعرف بالدبلوماسية الاقتصادية وهنا نطرح السؤال بجدّية : ماذا استفدنا اقتصاديا من مقعد مجلس الأمن أو كرسي جامعة العرب؟

مسألة أخيرة تفرض نفسها وتتصل بعلاقة الشعب التونسي وعلمه واستفادته المعنوية والمادية من مثل هذه المحطات الإقليمية والدولية، فلو يذهب صنّاع استطلاعات الرأي اليوم مثلا إلى طرح السؤال في الشارع التونسي عن معرفة المواطن بتقلّد بلادنا لهذه المناصب ومردودية ذلك علينا، لسنا نغالي حين نقول أننا سنفاجأ بأن طيفا لا يستهان به من التونسيين خالي الذهن من «الانجازات» ومن «التصورات الجديدة» بل من «المقاعد» نفسها والحال أن هذا الشعب يريد كثيرا من الأشياء ومن «الإنجازات» ولو «التقليدية» التي تغيّر حياته نحو الأفضل

مراد علالة