النهضة تنحني للعاصفة .. وتواصل المكابرة

لم يكن بيان الدورة 52 لمجلس شورى حركة النهضة المنعقد يوم 4 أوت 2021 استثنائيا في شكله ومضمونه، رغم أن الاجتماع كان « استثنائيا » وفق إعلام الحركة، وانعقد في ظروف « استثنائية » بإقرار الجميع في الداخل والخارج، وفي وضع استثنائي للتنظيم الاسلامي الذي عصفت به الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية المنقضي وأخرجت للسطح من جديد الصراع المرير و »التدافع » الخطير صلب القيادة وحتى في صفوف الأتباع

ليس بيانا استثنائيا رغم أهمية عديد النقاط فيه، لأنه لم يخرج عن أدبيات النهضة وخطها ونهجها في التعاطي مع الأزمات مهما كانت حدّتها عبر التاريخ، وفصل الخطاب أو جوهر الموضوع كما يقال هو الانحناء للعاصفة ودفن الرأس في الرمل في انتظار الهدوء والتقاط الأنفاس وترتيب البيت

ويمكن القول هنا، أن ما أرادت القيادة تمريره للرأي العام الداخلي في التنظيم في مستوى أول، والرأي العام الوطني والدولي في مستوى ثان، هو أن اجتماع الشورى انتهى على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وأن الإجماع داخل الجماعة ثابت لا يتحول، وباستثناء خبر انسحاب ثلاث قياديات هنّ جميلة الكسيكسي ويمينة الزغلامي ومنية ابراهيم من دورة المجلس – في الفضاء الافتراضي – وقّع عبد الكريم الهاروني البيان والحال أن كثيرا من الأصوات طالبت برأسه ونادت بإزاحته من خطته مثله مثل الشيخ راشد الغنوشي والقريبين منه من المتنفذين الذي وقع تحميلهم مسؤولية ما وصلت اليه حال النهضة وحال البلاد

علاوة على ذلك، كانت صياغة البيان ذكيّة وخبيثة و »ملغّمة » إلى أبعد الحدود في ترضية جميع الأذواق وتلبية كل الانتظارات واستيعاب التدافع بين القيادة والقاعدة وبين أبناء التنظيم فيما بينهم لدرجة يمكن القول فيها أن الجميع يقرا ويجد ضالته، سواء من تبنى مقولة « الانقلاب الدستوري » للرئيس قيس سعيد أو من رأى في ما جرى تصحيحا للمسار حيث نقرأ في الديباجة ما يلي : « عقد مجلس شورى حركة النهضة.. دورته التي خصّصها للتداول في الوضع العام بالبلاد، في ظل الظروف الاستثنائية، عقب القرارات الرئاسية مساء 25 جويلية وما مثلته من انقلاب على الدستور وشلّ لمؤسسات الدولة، خاصة بحلّ الحكومة وتعليق عمل البرلمان ». ولا نجد في ما تبقى من النص ما يفيد التعبير عن رفض هذا « الانقلاب » أو المطالبة بالرجوع والعودة عنه أي العودة الى 24 جويلية وهو في تقديرنا الموقف المبدئي بمنطق السياسية لحزب له ضوابط ومرجعية بعيدة عن التقية وازدواجية الخطاب وخصوصا المكابرة

في هذا السياق حاول محبّرو البيان الاتكال على البراغماتية للإيهام باستيعاب الدرس والدخول في « نقاش طويل وثري حول الأسباب التي أدت إلى الغضب الشعبي على الطبقة السياسية عامة وخيبة أمل الشباب خاصة وتشاؤمهم، وتفاقم الأزمة المركّبة والمتراكمة التي فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجتها، والانسداد السياسي الذي وصلته البلاد » وكأننا بالنهضة تتحدث هنا عن بلد ليست مقيمة فيه وليسن معنية ومسؤولية عما حل به.
صحيح أن الغضب الشعبي كان بارزا ضد الطبقة السياسية بشكل عام ولكن الابرز هو وضع النهضة على راس قائمة المغضوب عليهم الذين غذوا الخيبة والتشاؤم والازمة المركبة

هي سياسة التعويم والتنصل من المسؤولية وهي دليل على أن النهضة لا تستفيد من الدروس وغير مستعدة للتعاطي مع إكراهات الواقع وحقائقه بجدية ومسؤولية وحتى مقولة النقد الذاتي التي هي دخيلة على فكر جماعات الاسلام السياسي فإن استخدامها هو فقط للمكابرة كما اسلفنا وقد جاءت في سياق التضليل والترحيل الى المؤتمر القادم في النقطة السادة من البيان الذي نقرأ فيه : ضرورة قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها في أفق مؤتمرها 11 المقرر لنهاية هذه السنة، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلبها التطورات في البلاد

 
إن نبرة النهضة في هذا البيان تشبه الى حد بعيد نبرة بيان المكتب التنفيذي الأخير للحركة وهو يختلف كثيرا عن نبرة الادبيات السابقة التي كانت فيها حدّة وجرأة وتحدي للجميع وثقة مفرطة في النفس وهي في المحصلة مغالطات وأخطاء تمادت فيها القيادة واوصلت نفسها وتنظيمها الى هذه الوضعية

لقد قالت النهضة أنها « تفهّمت » الغضب الشعبي المتنامي في النقطة الاولى من ذات البيان، وغالطت نفسها حين حملت الطبقة السياسية برمتها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع ودعتها إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء، والجميع يعلم أن الأمر يتعلق رأسا بالحركة التي تتصدر المشهد والحكم وقد انتفض ضدها الشارع ورئيس الجمهورية

ثانيا، طوت النهضة صفحة حليفها هشام المشيشي وسلّمت بضرورة وجود حكومة جديدة وهذا درس وعبرة لمن سيدخلون القصبة في المستقبل رغم التدراك والقول بضرورة التسريع بعرض الحكومة الجديدة على البرلمان لنيل ثقته والعودة السريعة لعمل هذا المجلس الذي انتهى في تقديرنا سياسيا واخلاقيا وحتى إجرائيا ربما إذا وقع تسريع إجراءات تتبع المطلوبين للعدالة في هذا البرلمان

هي النهضة اليوم مع كل شيء حتى تهدأ العاصفة، هي مع من عبّر عن « المخاوف المشروعة » ومع من له مطالب مشروعة ومع الاصلاحات السياسية والاقتصادية ومع الحوار دون قيد أو شرط رغم أن إجماعا وطنيا يكاد يكون موجودا حول عدم جدوى مثل هذا الحوار في ظل الاوضاع الراهنة

وبعيدا عن القراءات المتفائلة أو المتشائمة المتسرعة في مجملها بخصوص حال النهضة اليوم والتبشير بنهايتها أو انشطارها أو قدرتها في المقابل على التكيف مع الواقع الجديد واستيعاب صدمة فبعادها من الحكم في انتظار بلورة موقف وموقع جدديد ايضا يتلاءم مع حجمها ومع افاق دورها وطموحات مريدها في المشهدية التونسية، يمكن القول أن النهضة أو بالحرى شورها وقيادتها استطاعت لعق جراحها والدوس على خلافاتها ومنعت – ولو الى حين- زلزالا وانشقاقا كاد يعصف بها ورحلته الى قادم الايام

بقلم مراد علالة