ليلى والحق في التعلّم

استمعت في غضون الأيام الفارطة إلى طفلة من ربوع تونسنا العزيزة ومن إحدى المناطق التي لم يكفها ظلم الطبيعة فزادتها سياسات دولتنا في التعامل مع المناطق النائية ظلما، تدافع هذه الطفلة بطريقة إبداعية لا يحسنها كثير من ذوي الرتب جمعت بين الحجة المقنعة واللطف في العبارة، عن حقها وحق أمثالها في التعليم وفي أن يكون لهم مدرسة تليق بطفولتهم وبإنسانيتهم ومعلّمة/ معلم يحترم كيانهم وتطلعهم إلى أن يكونوا مثله في أن يفتح أمامهم التعليم آفاق الارتقاء المعرفي والثقافي والاجتماعي. تبدو هذه الطفلة مقتنعة اقتناعا تاما، وحي على حقّ، بأنه لا منقذ لها من الأوضاع التي تعانيها ولا أمل لها في مستقبل يستجيب لأحلامها وتطلعاتها إلا عبر التعليم. واستعادت ذاكرتي صورة الطفلة القروية التي كنت وشغفي بالدراسة وكل أحلامي التي علقتها على المدرسة ومسارا حياتيا شغله كله التعلّم والتعليم والرابط الوجداني العميق الذي ظل يشدني إليهما منذ أن أحسست بحلاوة القراءة والكتابة إلى أن وعيت قيمة المعرفة بالنسبة إلى الأفراد وإلى الشعوب. وأحسست لحظتها بمرارة الظلم وأنا أضع نفسي موضع تلك البنيّة، فكيف ستحتمل أن تظلم بحرمانها حقها في الدراسة؟ تساءلت وأنا أستمع مذهولة إلى كلماتها هل استمعت المعلمة و المعلم الرافض الالتحاق بمدرسته إلى هذه الطفلة؟ كيف استطاع من استمع عليها أن يواصل امتناعه عن التدريس براحة بال؟

لا شك أن للمعلمين، بكل أصنافهم ووضعياتهم المهنية حقوقا مادية ومعنوية ومهنية ندافع معهم عنها، لاقتناعنا بأنه دون احترام هذه الحقوق سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إصلاح المنظومة التعليمية، ولا شك كذلك أن للمعلمين الحق في يدافعوا عن مطالبهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ولكني، وهذا موقفي وأتحمل مسؤوليته، أرفض رفضا قاطعا أن يتحمل التلميذ وحده استتباعات اختيار الإضراب عن التدريس طريقة، تكاد تكون وحيدة، في دفاع المعلمين عن حقوقهم، وأرفض الاستسهال المبالغ فيه الذي يأخذ به الطرف النقابي هذه المسألة. لست في مقام الحديث عن الأساليب المتاحة والبديلة للإضراب عن الدروس التي يمكن أن يلجأ إليها المعلمون والأساتذة وكافة أصناف الهيئة التعليمية دفاعا عن مطالبهم، فهناك مجال للاجتهاد وللابتكار وللاستضاءة بتجارب من بلدان أخرى، ولعل من الطرق الفعالة بالنسبة إلى المعلمين والتي لا تقع تبعاتها على المتعلمين وحدهم على سبيل المثال أن يحتفظ هؤلاء بنتائج الامتحانات حتى يجدوا حلا مع وزارة الإشراف، ولكن أن تتم التضحية بحقوق المتعلمين في التعليم بكل هذه البساطة وبكل هذا الاستسهال أمر غير مقبول من وجهة نظري لأن فيه تضحيةً بحق طرف ثالث لا ذنب له في هذه القضية. أعتقد أن من واجب كل أصناف الهيئة التعليمية أن يدركوا أن استسهال مبدأ الإضراب عن التدريس أضرّ كثيرا بالتعليم العمومي وتسبب في استفحال ظاهرة العزوف عنه واللجوء إلى التعليم الخاص، لذلك إذا كنا حقا غيورين على التعليم العمومي وعلى المدرسة العمومية، ولا شكّ أننا جميعا استفدنا منهما ولهما ندين بفضل تعليمنا وارتقائنا في مدارج المعرفة وفي الحياة عموما، علينا أن نبذل الجهد من أجل أن تكون جاذبة للتلميذ لا منفّرة، فاتحة أمامه آفاق الحلم والنجاح لا سببا في تعميم شعور الإحباط لدي شرائح واسعة من أبناء شعبنا غير القادر على التحول إلى التعليم الخاص، وهذه مسؤولية إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون قانونية

زهية جويرو