هل هي بداية النهاية لـ «أسطورة» النهضة؟

تعثّر تشكيل المكتب التنفيذي يكشف عمق «التدافع» داخلها

أصبحت إطلالات القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري طريفة بعد تخليه عن رئاسة كتلة النهضة في مجلس نواب الشعب وصار أكثر تحرّرا على ما يبدو في الاصداح بمواقفه التي كان آخرها وأطرفها مساء الجمعة على قناة نسمة الخاصة لباعثها نبيل القروي حيث قال دفاعا عن سلامة الحركة وعافيتها ونجاحها انها حزب كبير وديمقراطي ينعكس وضعها ويرتبط بوضع البلاد

وانتقد البحيري كل من قرأ في التطورات الاخيرة داخل الجماعة مؤشرات سلبية خلص من خلالها الى وهن التنظيم وازدياد عزلة الشيخ المؤسس راشد الغنوشي وزعم أن هذا ليس صحيحا على الاطلاق وحتى «المائة» قيادي المخالفين له في الرأي لا يمكن مقارنتهم بـ «المائة ألف» منخرط

وباعتماد القياس، فإنه بخلاف ما أكده البحيري فإن حال البلاد ليس على ما يرام بشهادة القاصي والداني بما في ذلك الحاضرون في مجلس الشورى الأخير مثلما قرأنا في بيانهم الختامي وعليه فإن حال الجماعة ليس على ما يرام

الحجة الأولى على ما نقول هي تواتر الاستقالات الوازنة من التنظيم والتي لا يمكن سياسيا وأخلاقيا وموضوعيا التقليل منها أو التخفيف من حدتها ووقعها وخاصة تداعياتها المستقبلية على المشهد السياسي العام وعلى وضع «الإخوة» في عائلة الاسلام السياسي ببلادنا أسوة كذلك بتجارب جماعات الاسلام السياسي في المنطقة

لقد كانت البداية بعبد الحميد الجلاصي أحد أبرز مهندسي التنظيم والمشرفين على «الماكينة» التي نجحت في استنهاض النهضويين من تحت الرماد كما يقال بعد 2011 وتحقيق الاختراقات المعلومة في جميع الاستحقاقات الانتخابية

ولئن كان خروج الجلاصي سابقا لانتخابات 2019 بشقّيها الرئاسي والتشريعي فإن المزاج الغاضب داخل الجماعة نما بعدها وتجذر فاختار مائة من أبرز قادة التنظيم «الانتفاضة» على الأوضاع الداخلية وعلى الزعيم المؤسس بواسطة رسالة أولى وثانية وكان الطلب واضحا وهو عدم المس باللوائح الداخلية وتحديدا الفصل 31 الشهير من النظام الداخلي الذي يحصر وجود رئيس على رأس الحركة لولايتين متتاليتين فقط وهو ما لم يكن في حسابات راشد الغنوشي الذي وجد نفسه أخيرا مكرها على اعلان احترامه للقوانين علما وأنه هو نفسه القائل ذات يوم : المؤتمر سيّد نفسه

وكما هو معلوم فقد ساهمت الكورونا في خلط بعض الأوراق داخل النهضة بما أن المبرر الصحّي صار جائزا ومناسبا لترحيل المؤتمر الحادي عشر الى أجل مسمى وغير مسمى في نفس الوقت : 2021

في هذا الزخم وبعد زهاء نصف عام من حلّ المكتب التنفيذي للحركة من قبل رئيسها يبادر هذا الأخير الى اعادة تشكيله في محاولة قد نختلف في توصيفها لكن مخرجاتها أكبر وأعمق من أن نمر عليها مرور الكرام
ان عملية إعادة تشكيل المكتب التنفيذي التي واكبها الاعلام بكل أجنداته بكثافة تزامنت أيضا مع استقالة مدوّية تنضاف الى استقالة لطفي زيتون وهي لعضو الشورى العربي القاسمي الى جانب استقالة يمينة الزغلامي من أي مسؤولية في الوقت الحاضر
وبعيدا أيضا عن عديد القراءات والاجتهادات لتحميل ما حصل في الشورى الأخير ما لا يحتمل بالحديث عن قائمة وفاقية للرئيس انقلب عليها هذا الطرف أو ذاك، أو تهويل نتائج التصويت وتصوير السقوط المدوي لاثنين من المقربين للرئيس دائما ونقصد صهره رفيق عبد السلام والوزير السابق أنور معروف وكأنه زلزال مقابل تضخيم صعود عبد اللطيف المكي وهو صعود مثار جدل، كل هذا لا يحجب عمق الأزمة التي تضرب الجماعة الاسلامية اليوم

إننا لا نبالغ حين نقول أنها قد تكون بداية نهاية أسطورة النهضة تلك الحركة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وتربّعت على عرش المشهد السياسي ببلادنا بعد 2011، وليس غريبا أن تتحول الى نهضات أو أن تنحسر وتصبح حزبا تقليديا يمينيا محافظا ضمن عشرات الأحزاب التي تزخر بها البلاد

إنّ الحراك والجدل و«التدافع» الذي عاشته الجماعة في الشورى الأخير لتصعيد مكتب تنفيذي هو في أغلبه من رحم المكتب التنفيذي السابق المنحل لا علاقة له بمشاغل التونسيين وبتجربتهم الديمقراطية كما يقولون بل إنها «عركة» على المواقع واقتسام للنفوذ واختبار للقوى في أفق المؤتمر القادم الذي ما يزال للغنوشي ما يقوله ويفعله فيه مهما ارتفعت حناجر الغاضبين منه ومهما تضاعف عدد القافزين من المركب

والى أن يكتب للمؤتمر أن ينعقد ستتواصل الحياة داخل النهضة بنفس المعادلات والأكيد أنها ستستفيد من استفحال أزمة منظومة الحكم الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمنحها هدنا وتجعل أبناءها يؤجلون أحيانا صراعاتهم الى حين لكن الثابت كما أسفلنا أن الجماعة لم تعد كما كانت وأن زعيمها لم يعد محل إجماع داخلها مثلما لم يعد محل اجماع داخل مجلس نواب الشعب وفي الساحة السياسية التونسية التي تظل بطبيعة الحال متسعة للجميع

بقلم: مراد علالة